العلاج السياسي لمسألة الجناسي
كانت مؤشرات الانفراج ظاهرة في مسألة سحب الجناسي، حين تم تغيير وزير الداخلية ونقله للدفاع. فالسحب كان بقرار سياسي وإعادة الجناسي كانت بحاجة إلى قرار سياسي، أعلى منه، والأجواء كانت مواتية، وهكذا كان. ولربما يكون هذا هو الدور الإيجابي للعملية السياسية، وهو أمر مشابه، مع اختلاف التفاصيل، لما حدث مع قانون البصمة الوراثية. التهنئة مستحقة لكل من انتهوا من ذلك الكابوس المظلم، والذي لا يعلم معاناته إلا هم، والشكر لكل من سعى للحل السياسي، والتقدير العالي لصاحب السمو أمير البلاد على استجابته، وهو الذي لم يتردد في التدخل ومنع الضرر الذي قد يحيق بالبلاد، كإيقافه قانون البصمة الوراثية، وقبل ذلك إرجاعه قانون "إعدام المسيء"، ورفضه طلب تنقيح الدستور بتعديل المادة ٧٩ في مجلس ٢٠١٢.قد يكون هذا نهاية جزئية لموضوع سحب الجناسي، ولكن ما هي ضمانات عدم تكرار ذلك مستقبلاً؟استوقفني رجل قبل بضع سنوات ليشرح معاناته بسبب سحب جنسيته في الثمانينيات، بسبب رأي عبر عنه في مكان عمله، بلا إعلام، ولا وسائل تواصل اجتماعي، حيث لم تكن موجودة. وأصبح منذ ذلك الوقت "بدون"، بينما أولاده مازالوا يحملون الجنسية بالتأسيس. وكان أن أعيدت الجنسية لعدد ممن سحبت جنسياتهم لأسباب مشابهة، بتحرك سياسي، بعد تحرير الكويت، إلا هو، ظل بلا جنسية كان يحملها بالتأسيس. بذلت ما أستطيع، لرفع الظلم عنه، لكن ليس هناك من يسمع. فهل ستشمله وأمثاله الصيغة التي يتم إعدادها للخروج من أزمة "مذبحة الجناسي" ممن لا صوت لهم؟ أتمنى ذلك.
المعالجة السياسية لمسائل الظلم الواقع على البشر مهمة ومطلوبة، شريطة ألا تكون فقط في إطار معادلة موازين القوى، ولكن أيضاً بربطها وتقنينها بقوانين ضامنة وحامية لكرامات الناس وحقوقهم. وينسحب ذلك على قضايا عديدة كالبدون وغيرها.ملف الجنسية مثخن بالجروح والتجاوزات والاختلالات سحباً ومنحاً، ويحتاج إلى مراجعة جذرية. وربما من المفيد هنا التذكير بتقرير ما اشتهر بـ "لجنة ثامر"، نسبة إلى رئيسها الشيخ ثامر جابر الأحمد، والتي شكلها مجلس الوزراء بتاريخ 2008/11/3، بعد إثارة برلمانية، بالتحقيق بمرسوم التجنيس رقم ٣٧٩/٢٠٠٧، الذي شمل تجنيس ٥٥٦ ملفاً، لتكتشف أخطاء فادحة في منح الجنسية، كان أبرزها أن ٣٣ شخصاً تم منحهم الجنسية بالخطأ، موصية بسحبها. بالطبع كان ذلك هو التحقيق الوحيد الذي جرى بشكل شبه علني، أما ما تم ويتم في أروقة ملف الجنسية فعلمه عند الله. فإن كانت هناك أخطاء فادحة في منح الجنسية، التي تمر عادة بمحطات فحص وتمحيص دقيقة، فما بالنا بالأخطاء التي تحدث في سحب الجنسية، والتي يمنع فيها المتضرر من اللجوء إلى القضاء؟عندما بدأت حملة سحب الجناسي السياسية منذ أكثر من سنتين، حذرنا حينها من مغبة المضي في هذا الإجراء، ووصفناها بأنها "سلاح دمار شامل"، ينتقص من حقوق الناس وكراماتهم، وينتهك من سيادة الدولة ويسلمها للحكومة بشكل مطلق، بينما هي ليست إلا جزءاً من معادلة الدولة الرباعية، التي يكون فيها المواطن أو حامل الجنسية، عنصراً سيادياً يتجاوز الحكومة في أهميته وعمقه الاستراتيجي، وأن تدمير المواطن بهذه الصورة هو تدمير لبنية الدولة بفعل فاعل.المطلوب الآن الخروج من السياسي إلى الحقوقي بتحصين المواطن، وحمايته من التعسف، والشطط الذي قد تمارسه السلطة أحياناً، وذلك لن يتم إلا بتعديل تشريعي متكامل، حتى لا تتكرر الأخطاء ويضيع وقت وجهد في مسائل يفترض أنها محسومة دستورياً، فهل يحدث ذلك؟