أقوى تحصينات «داعش» تتهاوى في الموصل والكلفة البشرية تثير اعتراضات
واشنطن تفكر في «تعاون أمني» 3 أعوام شمال العراق
أبرز منابع القلق لدى المخططين لمعركة الموصل يتعلق بالمدينة القديمة وأزقتها الضيقة وحجم التحصينات والدفاعات التي أنشأها «داعش» فيها، لكن ذلك أصبح في حكم المنتهي عملياً منذ ليل أمس الأول، إذ دخلت القوات العراقية المجمع الحكومي المعروف بأبراج الحماية العالية والكثيرة وشبكة أنفاق أنشأها مسلحو التنظيم لتسهيل الحركة والمناورة، إضافة إلى كمية المفخخات والانتحاريين المتحصنين داخله.وبعد السيطرة على مباني الإدارة المحلية هذه، بات المعلقون العسكريون غير مترددين في اعتبار وجود «داعش» كقوة مسلحة نظامية في الموصل، منتهياً عملياً، وأن عناصره باتوا مجرد مجاميع انتحارية تتجول دون تحصينات ولا مقرات كبيرة، في نحو نصف مساحة الجزء الغربي من الموصل، هي آخر ما تبقى لهم بين الأماكن المهمة في العراق.
ومعنى هذا أن القوات العراقية أنجزت القسم الأكبر من عملها، ولم يتبق لديها سوى تطهير مساحات يقطنها نحو نصف مليون نسمة شمال غرب الموصل، لكن الأمر قابله ارتفاع غير مسبوق في الكلفة البشرية، إذ لا تنفي الجهات الرسمية تقديرات تقول إن نحو تسعة آلاف مدني قتلوا أو لا يزالون مفقودين تحت الأنقاض على الأرجح، منذ بداية عمليات الساحل الأيمن قبل ثلاثة أسابيع، أي ثلاثة أضعاف الضحايا في المعارك المشابهة بالبلاد، والأمر يعود إلى استخدام كثافة نارية كبيرة كانت هي «الحل الوحيد» لردع مفخخات وانتحاريي «داعش» ومنعهم من إبادة قوات النخبة التي أُنهكت خلال الحرب منذ صيف 2014.ويرد أنصار الحكومة بأن هذه «القسوة» لم تكن خيار رئيس الوزراء حيدر العبادي، بل هي متطلبات الخطة الأميركية بناء على أوامر إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب، الذي يريد تسريعاً وحسماً في كل من العراق وسورية، مذكرين بأن أهم مصادر النيران التي ألحقت دماراً كبيراً بغرب الموصل، كانت مروحيات الأباتشي الأميركية ومدافع القيصر الفرنسية، فضلاً عن انتشار نحو 1700 جندي أميركي على الأرض كانت حمايتهم من مفخخات «داعش» تتطلب قصفاً عنيفاً يقتضي القبول بخسائر مرتفعة بين السكان.ومع اقتراب حسم المعركة، بدأت الأوساط السياسية تتداول معلومات عن «الثمن» الذي تطلبه واشنطن لمساهمتها الحربية، ومما يدعو لقلق الأطراف المناهضة للوجود الأميركي والحليفة لإيران، ورود أنباء تفيد بأن واشنطن مصرة على «حماية المنجز العسكري» والحرص على عدم سقوط الموصل ثانية في قبضة الإرهاب، وهو ما يعني «شراكة أمنية» مع حكومة العراق، قد تدوم ثلاثة أعوام، وستعني بالضرورة شراكة سياسية لإعادة بناء الواقع السياسي في أكبر حاضرة سنية بالبلاد.ويؤيد السنة والأكراد وجوداً دولياً طويل الأمد لخشيتهم من تمدد النفوذ الإيراني إلى مناطقهم، وينقسم الشيعة حول العلاقة مع واشنطن في هذا الإطار، لكن تياراً شيعياً بارزاً يرى في الموصل «عبئاً أكبر من قدرات بغداد الحالية»، ويفضل أن تتحمل واشنطن جزءاً كبيراً من المسؤولية لإعمار المدن المدمرة، وللمساهمة في تنظيم الوضع داخل البيت السياسي السني الذي لم يكن مبعثراً بالشكل الذي هو عليه الآن.