صادق الفراجي يرسم الحنين إلى «مواسم بغداد المدينة المفقودة»
ضمن فعاليات تظاهرة «آرت دبي» 2017، تقدم «أيام غاليري» معرضاً للفنان صادق كويش الفراجي بعنوان «مواسم بغداد المدينة المفقودة»، يضمّ مشروعاً متعدد الوسائط يعرض خصوصاً ضمن منصة الغاليري بين 15 و18 مارس.
من خلال عرض «مواسم بغداد المدينة المفقودة»، تتجلى حالة استكشاف مستمرة يمارسها صادق الفراجي في قدرة الذاكرة والمنفى على أداء دور في تكوين الوعي عبر فنون التشكيل، والرسم والفيديو. فعند دخول المقصورة، يجد المشاهد نفسه أمام العمل المعنون «البحث عن بغداد المفقودة» (2017) وهو عبارة عن 209 قطعة تنميش etching. في حين تملأ خريطة مدينة بغداد الخطوط الخارجية للصورة الجانبية لإحدى الشخصيات (صورة ذاتية للفنان نفسه) جسدها وهي في حالة نصف طيران.يبدو جسده المعلق، كما لو أنه ممزّق بفعل المشهد الجوي للمدينة، ويظهر محاطاً بأسماء للعاصمة العربية باللغة العربية، أدبيّة وعاميّة، على سبيل المثال: «مدينة السلام» و«المدينة المنصورة»... تستحضر هذه الألقاب إلى الذهن تاريخ بغداد الحافل. في حين يضم عمل تنميشي منفرد خارج الخريطة، أبياتاً عن الحنين كتبها أحد الشعراء العراقيين. يرسي هذا التفصيل العمل من بعيد كمشهد ذي طابع حلو ومرّ في آن لتلك العاصمة العريقة حيث يحاول ساكنها المنفيّ إعادة بنائها من خلال الذاكرة.
ذكريات الحنين
تحاكي سلسلة أخرى من الرسومات المنفذة بالأسود والأبيض العمل الذي يحمل عنوان «البحث عن بغداد المفقودة»، إذ تخوض السلسلة بشكل أكبر في مفهوم ذكريات الحنين، حيث يجسّد كل من الأعمال على الورق رجلاً وحيداً يختبئ تحت فيء شجرة، واقفاً تحت أغصانها ويركع أمام جذعها. تجسّد هذه الأعمال المستوحاة من شارع أبي نواس الشهير في بغداد، وهو متنزّه على ضفة النهر ويُعتبر مكان التقاء أهالي المدينة، بغداد كما عاشها أهلها المهجّرون. وفي حجرة سوداء مجاورة، عملا فيديو رسوم متحركة بالأبيض والأسود، جنباً إلى جنب، يشكلاk معاً عنوان المعرض، الذي يعبّر الفنان من خلاله عن ذاك الشعور القميء بالانسلاخ الذي يعدّ السمة الأساسيّة التي تميّز التجارب اليومية للمهاجرين. حين تحاول إحدى تلك الشخصيات الاستدارة تكتشف أنها غير قادرة على الإحساس بمسار وجهتها، بينما تبدأ صور مماثلة لدوائر تطوف في الفضاء بالظهور ضمن الأعمال المرافقة. تظهر تلك الأقراص مختلفة القياسات، بعضها خال يوحي بالفراغ وبعضها الآخر يوحي ضمن حدوده بصور فوتوغرافية تولّد أحاسيس بالارتباك والقلق الدائم. هنا يبدو جسد بطل العمل كما لو أنه يدور بانسجام برفقة تلك الكرات، ما يترك انطباعاً بأن الفراجي الذي يحيا بعيداً عن وطنه الأمّ عالق رغم ذلك ضمن حركة مدارية ويطوف حول زواله.مشكلة الوجود
يخوض الفنان صادق كويش الفراجي في أعماله ضمن ما يصفه بـ «مشكلة الوجود»، وذلك من خلال فن الرسم، والتشكيل، والفيديو، وكتب الفن، والغرافيك والفن التركيبي. إذ يمثل البطل المظلل الذي يشغل فضاء أعماله ذات التخصصات المتداخلة، فراغاً أسود أي أنه عبارة عن مصفاة تسمح له بالاستكشاف في التعقيدات العابرة التي تميّز الحياة المعاصرة. من خلال رسم بطل اللوحة الانعزالي على هيئة ظلّ ملون بالفحم وتقليص التفاصيل الشكلية للوحاته، يلتقط الفراجي حركات الجسد المعبّرة والتواءاته الدقيقة ضمن بيئات مثقلة بالأجواء السيكولوجية. معظم الأحيان، يسجل الفنان سرديته الخاصة من خلال تصوير الشخص محور أعماله متكرر الظهور، باستخدام اللونين الأسود والأبيض، ويبدو ذلك جلياً بشكل خاص في تجسيده حالات الفقد، والتشتت، وقفزات الزمن التي تميّز حياة المنفى. حضور عالمي
صادق كويش الفراجي (مواليد بغداد 1960)، يقيم في مدينة أمرسفورت في هولندا ويعمل فيها. حصل على بكالوريوس في الفنون الجميلة في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد عام 1987، ودبلوم عالٍ في مجال تصميم الغرافيك في أكاديمية كونستانتين هيوغنز هولندا عام 2000.أقام سلسلة من المعارض في بلجيكا، وميونيخ، وبيروت، ودبي، وهولندا، وهيوستن... وشارك في معارض جماعية في ريو دي جانيرو، ولندن، والبندفية، وأبو ظبي، والشارقة، ولوس أنجليس، وكوريا الجنوبية، وطوكيو، ومعهد العالم العربي، وبوينس آيرس، والجزائر، وقطر. تندرج أعماله ضمن مجموعات خاصة وعامة من بينها: المتحف البريطاني لندن، والمتحف الوطني للفن المعاصر بغداد، ومركز الفنون بغداد، والمعرض الوطني للفنون الجميلة عمّان، ومؤسسة شومان عمان، والجمعية الملكية للفنون الجميلة عمّان، ومتحف نوفوسيك الحكومي للفنون روسيا، ومتحف كلوي- نابوكا رومانيا، ومتحف لوس أنجليس كاونتي ومتحف الفنون الجميلة هيوسن.اختير صادق الفراجي ليحمل لقب فنان العام خلال حفلة توزيع جوائز مجلة Esquire الشرق الأوسط عام 2012، وأصدرت دار «شيليت» للنشر في أمستردام «مونوغراف» عن الفنان (2015).