ترجم الباحث "بدر ناصر المطيري" محاضرة منشورة بالإنكليزية لأستاذ المؤسسات الاجتماعية في كلية لندن للاقتصاد توماس مارشال Thomas Humphery Marshall بعنوان "المواطنة والطبقة الاجتماعية"، تسلمت مع الشكر نسخة منها.

أما محور المحاضرة فهو علاقة مبدأ المواطنة في أي كيان سياسي بالعدالة الاجتماعية أو الحقوق الاقتصادية، فهي ربما محاولة علمية للأستاذ بدر المطيري لتعميق فهم الديمقراطية الكويتية وبناء جسر متين بين ما هو سياسي وما هو اجتماعي وإنساني في المجتمع ككل.

Ad

ومن المعروف في تاريخ الفكر السياسي أن الجدل لم ينقطع يوما حول "الديمقراطية السياسية" من جانب، و"الديمقراطية الاجتماعية" من جانب آخر، أي بين المدافعين عن الحق المطلق للفرد كمواطن في التصرف الاقتصادي والاستثماري بملكيته، وبين دعاة الحقوق الاجتماعية والجماعية التي يرونها أسمى من حقوق الفرد وأولى بالتلبية، فانقسم المفكرون بين هذين التيارين... قبل ظهور تيارات أخرى بينهما!

وقد تبوأ هذا الجدل منذ عام 1945 مركزاً عالمياً مصيرياً، حيث برز على الصعيد الدولي معسكران أحدهما "اشتراكي" يؤيد المنحى الجماعي، والثاني "رأسمالي" قائم على الحرية الفردية، واستمر الصراع بينهما فيما يطلق عليه "الحرب الباردة" قرابة نصف قرن، قبل أن ينتهي ذلك الانقسام الحاد عام 1989 وما بعده بزوال المعسكر الاشتراكي وتراجع الصراع.

غير أن هذا الانتصار السياسي لم ينه الصراع الفكري والنقاش الفلسفي والأخلاقي بين التوجهين، والذي لا يزال قائماً في مختلف الأوساط السياسية والأكاديمية، فكما أن ظهور وانتصار دين جديد في مرحلة ما لا يقنع كل البشر بدخوله، فإن اختلاقات المدارس السياسية وبخاصة اختلاف هاتين المدرستين لا يزال مستمراً عبر قنوات أخرى في البلدان الغربية والعالم الثالث والعالم العربي. وفي الكويت يعدّ الاهتمام بترجمة هذه المحاضرة البريطانية دعوة إلى عدم الوقوف والتسليم بواقع "الاقتصاد الحر"، بل الاهتمام الكبير كذلك بالجانب الاقتصادي والاجتماعي في الديمقراطية الكويتية، وإتاحة الفرصة على نحو أوسع لكل مكونات وشرائح المجتمع للاستفادة من الفرص الاقتصادية، وفي ظل التمسك بمبادئ العدالة الاجتماعية.

نشرت المحاضرة في كتاب "اللا مساواة والمجتمع" Inequality and society، نيويورك 2009، بتقديم جوسي هاريس وقد اشتهر مارشال (1893- 1981) كمؤرخ وصاحب نظرية اجتماعية حول المواطنة وحقوق الرعاية الاجتماعية، ويعتبر أحد الآباء المؤسسين للأفكار الحديثة في العالم حول هذه المبادئ، وألقى مارشال محاضراته في جامعة كامبردج عن المواطنة والطبقة الاجتماعية في صيف عام 1949 في وقت كانت أوروبا تمر فيه بنقاشات واسعة ومعمقة عن المواطنة وحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية.

وتقول ورقة المحاضرة المترجمة إن الدارسين والمعلقين أجمعوا "على اعتبار هذه المحاضرات عن المواطنة والطبقة الاجتماعية أنها تمثل محطة فكرية فارقة ساهمت في تغذية وإثراء وإضافة مضامين جديدة إلى الفكر السائد عن الحقوق العامة، وتركت بصمة واضحة وبعدا اجتماعيا قويا في الفكر البريطاني والأوروبي حول ما يعنيه مفهوم المواطنة". وتتسم رؤية مارشال في مجال العدالة الاجتماعية بالاعتدال والواقعية، فهو يرى حتمية التعدد الطبقي في المجتمع، مع عدم الدخول في اختلافات تعريف "الطبقة الاجتماعية" فالتعدد "أمر حتمي في أي مجتمع يجري فيه تبادل وتعامل بالبضائع والخدمات".

ويستتبع ذلك التعاطي وتبادل المنافع بالضرورة وجود درجة من عدم المساواة يمكن معالجتها بشكل ما، والتخفيف من آثارها الضارة عبر التدخل السياسي، ولكن مارشال يحذر من "فرض التساوي بين أفراد المجتمع في التمتع بالمنافع فوق حد معين". ويضيف المفكر البريطاني أن فرض هذه المساواة بعد حد معين "يمثل سياسة فاشلة ترتد على فاعلها سلبا لأن من شأن ذلك نسف وتقويض العمليات الإنتاجية". وتظهر حصيلة دروس التجارب الاشتراكية دقة ملاحظات مارشال وتوقعاته التي حذر منها عام 1949 قبل انهيار التجربة الاشتراكية بعقود، إذ حاولت روسيا ودول أوروبا الشرقية تنشيط اقتصادها بحزم من الإصلاحات الرأسمالية والحريات الاقتصادية، ولم تستطع الإصلاحات انتشالها من المصير المحتوم. ومما ساعد على انتصار "الاقتصاد الحر" نجاح الرأسمالية في تحرير نفسها من سلبيات كثيرة، وتقبلها للكثير من الانتقادات التي وجهت إليها منذ بروز الرأسمالية الصناعية في إنكلترا ابتداء من 1800 وألمانيا 1870 واليابان قبل حرب 1914، وتقبلت الدول الرأسمالية الكبيرة تدريجيا، مع اتساع التعليم والتحديث وتطوير المجتمع، فكرة تدخل الدولة، كما أن كثيرا من هذه الدول بدأت تطبق نظام التخطيط حتى تدفع درجة التنمية وتخفف من مشاكل الأزمات الاقتصادية.

كما ظهر اصطلاح آخر في هذا المجال وهو "رأسمالية الدولة" ويلخص بالجهد الاقتصادي والتخطيطي الذي تقوم به الدولة لتجنب مشاكل البطالة والصراعات الحادة التي قد تنشب إن تركت الدولة للسوق وحده تحديد نتائج الصراع، وكان تدخل الحكومة الكويتية للتخفيف من آثار "أزمة المناخ" بعض أشكال هذه المحاولات!