يا للعجب! انتقلنا من حالة من الهدوء التام إلى حالة من الاضطراب الكامل في طرفة عين، فقد أمضى الرئيس ترامب المحاصر نهاية الأسبوع وهو يستشيط غضباً بسبب عجزه عن التحكم في مسار الأحداث، علماً أن إدارته ما زالت في شهرها الثاني، فكيف سيتمكن، إذاً، من الاستمرار طوال سنة؟ أو بالأحرى أربع سنوات؟

كم سيمضي من وقت قبل أن يبدأ العاملون في حملة ترامب، الذين وردت أسماؤهم في تقارير عن الاتصال مع الروس، بالتحصن وراء محاميهم؟ تشير تقارير إخبارية عدة إلى أن ترامب غضب لأن الزخم الذي اكتسبه من خطابه في الكونغرس تبدد في الحال مع تسرّب معلومات عن لقاءات المدّعي العام جيف سيشنز مع السفير الروسي.

Ad

امتلأ ترامب غضباً، على ما يبدو، لأن سيشنز، بعد أن أعلن الرئيس أنه ما من حاجة إلى تنحيه عن أي تحقيق بشأن الاتصال بالروس، ظهر على شاشات التلفزيون ليعلن اتخاذه هذه الخطوة بالتحديد.

من الواضح أن تنحي المدعي العام شكّل خطوة ضرورية وملائمة، إلا أنه لا أهمية للضرورة والملاءمة في نظر الرئيس على ما يبدو. على العكس، يعتبر ترامب أن سيشنز جبان، وأن الجبن يمثل خطيئة كبيرة.

لكنني أنصح ترامب بأن يفكّر في الوقائع التالية: لا تواجه "واشنطن بوست" وأي مؤسسات إعلامية أخرى، على ما يبدو، صعوبة كبيرة في حمل المصادر المقربة من ترامب على التحدث عن تقلبات مزاج الرئيس، وفي حين يشتعل ترامب غضباً بسبب تسريبات المجتمع الاستخباراتي والبيروقراطية الفدرالية المتأصلة، لا يكف مساعدوه المقربون عن ملء آذان الصحافيين بروايات تخدم مصالحهم الخاصة.

على سبيل المثال، بعد أن عمد ترامب يوم الجمعة إلى توبيخ كبير موظفيه رينس بريبوس وآخرين، تشير بعض التقارير إلى أن بريبوس أمضى أكثر من ساعة وهو يتصل بالمراسلين ويحاول عبثاً إقناعهم، في أحاديث غير مخصصة للنشر بالتأكيد، أنهم لم يتعرضوا للتأنيب.

صباح يوم السبت، لجأ ترامب من منتجعه "مارالاغو" إلى حسابه على موقع "تويتر" ليطلق ادعاء غير مسبوق ولا أساس له على ما يبدو: أن أوباما أمر، حين كان رئيساً، بالتنصت على حملة ترامب، وعزز المسؤول الإعلامي في البيت الأبيض هذا الادعاء بمطالبته بفتح الكونغرس تحقيقاً بشأن مسألة التنصت هذه.

ربما لا يعرف ترامب المثل القائل: "كن حذراً بشأن ما تطلبه".

أنكر متحدث باسم أوباما أي عمليات تنصت، وحذا حذوه مدير الاستخبارات الوطنية في عهد أوباما، جيمس ر. كلابر الابن، الذي كان في موقع يخوّله الاطلاع على خطوة مماثلة، كذلك أشارت بعض التقارير إلى أن مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس ب. كومي حض مسؤولي وزارة العدل على إصدار بيان ينفي ادعاء الرئيس غير المدعوم، إلا أن هذه الوزارة رفضت خطوة مماثلة حتى اليوم، وإن تنحي سيشنز جعل ترامب يشتعل غضباً، فتخيل ما سيكون تأثير بيان عام ينفي تغريدات الرئيس الغاضبة في ضغط دمه.

ولكن ماذا لو قبل الكونغرس طلب ترامب وفتح تحقيقاً؟ لا شك أن أي تحقيق جاد سيتناول، في رأيي، السبب المزعوم وراء التنصت المزعوم: الاتصالات بين حملة ترامب والروس، ومن المؤكد أن تحقيق الكونغرس سينطلق من إجماع المجتمع الاستخباراتي الأميركي على أن الحكومة الروسية تدخلت في انتخاباتنا بهدف تحسين فرص ترامب بالفوز.

وضع ترامب نفسه في موقف لا رابح فيه، فإذا رفضت القيادة الجمهورية في الكونغرس طلبه فتح تحقيق، يواجه الإحراج الناجم عن هذا الرفض العلني، أما إن قبلته فيكن قد أطلق عملية لن يتمكن من التحكم فيها.

لا شك أن التصميم على تولي هذا المنصب وكسر كل الطرق التقليدية المتبعة في إنجاز المهام يختلف كل الاختلاف عن مواجهة أعداء خياليين وإلحاق الأذى بالنفس خلال هذه العملية، وهنا ينشأ السؤال: ما يخبئه الشهر الثالث من رئاسة ترامب؟

* يوجين روبنسون | Eugene Robinson