حسم سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد ملف الجناسي المسحوبة بمبادرة إنسانية لافتة، أعادت الوضع إلى ما كان عليه قبل قرار مجلس الوزراء بسحب تلك الجناسي، وهو السلطة المكلفة دستورياً والمفوضة نيابياً بإدارة شؤون البلاد فوراً بعد سماح النواب في جلسة أداء القسم الافتتاحية للفصل التشريعي للحكومة بالقسم، إذ إن النواب المؤسسين ابتكروا أداة بديلة عن منح الثقة للحكومة، الموجودة في كل النظم البرلمانية، بتعطيل تلك الجلسة عبر إفقادها النصاب، ومنع الحكومة من أداء القسم إذا كان هناك عدم رضا شعبي ونيابي تجاهها.

نعم، ربما يعود الوضع إلى ما كان عليه بإعادة الجناسي لأصحابها وهو قرار إنساني، لكن الأمور الإجرائية والسوابق القانونية لن تعود أبداً كما كانت عليه سابقاً، فرئيس السلطة التشريعية، وهو رئيس مجلس الأمة، سيمارس دوراً تنفيذياً عبر مراجعة شؤون منح الجنسية أو إقرار سحبها مع رئيس الحكومة، وهي سابقة دستورية، كما أن الحكومة، التي اتخذت قرارات السحب وسببتها بمخالفات قانونية، كيف ستتغاضى عن تلك المخالفات إن كانت مرتبطة بجرائم التزوير أو التدليس للحصول على الجنسية، وهي أفعال تستوجب الحصول على مراسيم عفو من رئيس الدولة.

Ad

الوكيل المساعد لشؤون الجنسية والجوازات في وزارة الداخلية اللواء مازن الجراح كان يردد دائماً في لقاءاته الإعلامية أن قضية الجناسي المسحوبة أُسست على مخالفات قانونية وأدلة تسند تلك القرارات، ولكن عندما يتخذ رئيس الدولة مبادرة لإعادة تلك الجناسي إلى أصحابها فإن سموه على يقين بأن تلك المخالفات القانونية غير موجودة، كون سموه يؤكد دائماً تطبيق القانون وعدم تجاوزه بأي حال من الأحوال... فمن سيحاسب من عبث بأسر كويتية ووضعها في معاناة وظلم طوال السنوات الماضية عبر سلب وثيقة مواطنتها؟

نذكر تماماً كيف كان العالم معجباً بتلاحم الكويتيين وعدم تنازلهم عن مواطنتهم أو قبول أي استفتاء دولي لتقرير مصير الكويت بعد الغزو العراقي عام 1990، وكلمات الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، التي أشاد فيها بتماسك الشعب الكويتي ضد المحتل، وبشرعية نظام الحكم فيه وخلوه من الخونة، فهل يجوز للحكومة أن تتلاعب بهوية ومواطنة هذا الشعب الكويتي عبر التهديد بقرارات سحب ومنح الجنسية الكويتية واستخدامها في الصفقات السياسية؟

المنطقة تمر الآن بظروف سياسية وأمنية أصعب من فترة نهاية ثمانينيات القرن الماضي، التي وقع في ختامها الغزو، لذا فإن العبث بقضايا المواطنة أمر خطير يهز ثقة الشعوب بأوطانها، ويصنع في عقول الأجيال الحالية والقادمة سلوك "المرعى"، أي الهوية الملتبسة التي تهدف إلى اقتناص خيرات وفوائد موقع عيشها، بينما تبحث عن أرض أخرى للانتماء لها والإحساس بالأمان فيها، وهو أمر بالغ الخطورة، لذا تسعى الأمم الحية إلى أن تربط قرارات الجنسية بالقضاء العادل، ولنا مثال واضح بما حدث في الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً عندما نقضت المحاكم قرارات الرئيس دونالد ترامب بمنع دخول بعض حملة "البطاقات الخضراء الأميركية"، وهي وثيقة تعتبر وعداً بالحصول على المواطنة الأميركية، فما بالكم بحقوق حفظ هوية المواطن الفعلي؟!

***

كان لي رأي مخالف في قضية استجواب وزير الإعلام وزير الشباب السابق الشيخ سلمان الحمود الصباح، وباستثناء بعض المخالفات في وزارة الإعلام فلم أر أن الاستجواب كان مستحقاً، ولكن ممارسات السلطة بإعادة وزير ترك منصبه نتيجة مساءلة برلمانية إلى موقع حكومي آخر بنفس رتبته بعد أقل من شهر هو عبث يحول كل نظامنا الدستوري والقانوني إلى ملهاة لا قيمة لها.