رسمت جلسة مجلس الأمة، أمس، صورة قاتمة للوضع التشريعي في الكويت، لا سيما من الجانب الحكومي الذي يمتلك الأجهزة الإدارية والقانونية التي تحمل مسؤولية صياغة القوانين ومراجعتها، قبل تصديقها من سمو أمير البلاد تمهيداً إلى إرسالها إلى مجلس الأمة لإقرارها تشريعياً.ولعل قانون هيئة مكافحة الفساد خير مثال لـ"التشريع الخطأ دون قصد" أو "الملغوم بالأخطاء عن عمد"، فالهيئة التي أُقرت بمرسوم ضرورة في عهد وزير العدل الأسبق جمال الشهاب في نوفمبر 2012 أُبطلت دستورياً في ديسمبر 2015، ثم أعيد إقرار قانونها في يناير من العام الماضي بعهد الوزير السابق يعقوب الصانع، لتجد نفسها أمام حالة جديدة من الإبطال بعد طعن الوزير الحالي د. فالح العزب في دستورية قانونها بجلسة أمس.
وفي الجلسة ذاتها، تراجعت الحكومة أيضاً عن تشريع آخر أقرته في المجلس المنحل، هو قانون خفض سن الحدث من 18 إلى 16 عاماً، فبعدما كان موقفها صلباً في الدفاع عن أسباب إقرارها ذلك القانون، متذرعة بارتفاع عدد الجرائم الجنائية التي يرتكبها الأحداث حتى وصلت في بعضها إلى الأعمال الإرهابية، عادت في جلسة أمس لتقر تعديلاً يرفع سن الحدث مجدداً إلى 18 عاماً.مثل تلك الأخطاء القانونية يفتح باب الشك في كثير من التشريعات التي تخرجها الحكومة دون دراسة جدية، ويقرها المجلس باستعجال دون اعتبار لتبعاتها القانونية، ويخلق حالة غير مستقرة لبيئة القوانين في الدولة تربك القضاء ورجاله، ولا تشجع على بناء اقتصاد يجذب المستثمرين من الخارج لتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري عالمي.التشريع في الكويت باتت قاعدته القوانين المخالفة للدستور أو ذات الصياغة "الملغومة"، في حين أصبحت التشريعات السليمة شواذ القاعدة، فإلى جانب القوانين المذكورة في الأعلى، والتي أقرت حكومياً ونيابياً، ثم نسفتها السلطتان، من المناسب التذكير أيضاً بقانوني البصمة الوراثية و"حرمان المسيء" اللذين عاشا الدورة التشريعية "الخاطئة"، وهما الآن في طريقهما إلى الإلغاء أو التعديل الجذري عليهما.معظم التشريعات ذات الشبهات الدستورية والأخطاء النصية ناتج عن صراعات سياسية، ويغيب عنه التفكير العاقل والهادئ، ويغلب عليه روح الانتقام وغياب التفاهم بين السلطتين، ويتبدل بتبدل أعضاء السلطتين، مما يؤكد أن التشريع لا يقوم على رؤية استراتيجية لدولة بقدر ما هو رؤية ضيقة لمصلحة مرتبطة بأحداث وقتية.ولا يغيب عن هذا الوضع المتناقض، مسؤولية الجانب النيابي الذي أصبح يهمل قراءة تقارير اللجان البرلمانية ومراجعتها قبل التصويت عليها، وأضحى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والهاجس الانتخابي هو المحرك في تصويت النواب دون النظر إلى سلامة القانون أو دستوريته، ولم تعد النقاشات الفنية لأثر التشريعات في الدولة والمجتمع كما كانت نقاشات مجالس التسعينيات، الأمر الذي ترك فراغاً نيابياً خطيراً في سلامة التشريع وأهدافه كما حدث في التصويت على قانون "إعدام المسيء" الذي جاء كردة فعل سياسية دون بحث جوانبه الدستورية والمجتمعية، ورده سمو أمير البلاد.ولا يتوقع أن تتخلص الدولة من فوضى التشريعات الخطأ، مادامت الخلافات والصراعات السياسية مستمرة، والأجهزة الحكومية المسؤولة عن الصياغة والمراجعة بعيدة عن المحاسبة رغم كل ما شاب القوانين من مخالفات دستورية. وفي ظل هذه البيئة التشريعية المتناقضة، ستكون رؤية الكويت الجديدة 2035 بعيدة المنال، ولن ترى النور في موعدها أو بعده.
أخبار الأولى
التشريع في الكويت... فوضى وصورة قاتمة
09-03-2017