صوفي بطرس: «محبس» تجربة جريئة بعيدة عن الوعظ أتمنّى تكرارها
المخرجة اللبنانية تتحدّث عن أول أفلامها السينمائية
تمكنّت المخرجة اللبنانية صوفي بطرس من نقل واقع العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري بقالب كوميدي جميل في «محبس»، أولى تجاربها السينمائية الطويلة. يجسّد الفيلم الذي يحمل أبعاداً كثيرة نظرة أفراد من بلدين شقيقين بعضهم إلى بعض ضمن أحداث طريفة تسخر من العنصرية والحقد والتعصب، مع خلفية درامية تتمثل بشخصية تيريز (جوليا قصّار) التي تكره السوريين بسبب وفاة شقيقها بقذيفة سورية خلال الحرب اللبنانية. يرسم لنا الفيلم الذي كتبت نصّه صوفي بالتعاون مع المنتجة والكاتبة ناديا عليوات واقعاً ليس بجديد إلا أنه يُطرح للمرّة الأولى ضمن إطار سينمائي، فموضوع الفيلم، بحسب المخرجة، التي انتقلت من عالم الأغاني المصوّرة إلى عالم الفن السابع، سيدفع من يشاهده إلى التفكير في الأمور وتحليلها.
مع اقتراب عرض الفيلم جماهيرياً، التقينا صوفي بطرس وكان هذا الحوار:
مع اقتراب عرض الفيلم جماهيرياً، التقينا صوفي بطرس وكان هذا الحوار:
ما هي توقعاتك مع اقتراب عرض فيلم «محبس» جماهيرياً في لبنان؟ لا شك في أنني متحمسة جداً لإطلاق فيلم «محبس» في لبنان كوني أنتظر بفارغ الصبر ردود فعل الجمهور اللبناني، وسبق أن لمست ردود فعل الناس على الفيلم حين عُرض في مهرجان دبي السينمائي حيث كانت أكثر من رائعة، وبالتالي أتمنى أن يحصد النتيجة نفسها في لبنان كون الموضوع الذي يدور حوله يمسّ اللبنانيين بشكل خاص، وطبعاً السوريين، لذا أنا متفائلة جداً!
ما الذي دفعك إلى اختيار العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً أن هذا الموضوع لطالما كان شائكاً؟ بدأت العمل على كتابة قصة الفيلم منذ عام 2013 بمشاركة الكاتبة والمنتجة ناديا عليوات. لم يكن هدفنا كتابة القصة خلال مدة زمنية قصيرة لتواكب حوادث معينة، فالموضوع الذي يدور حوله «محبس» ليس آنياً ولا جديداً إنما يعود إلى سنوات عدّة ولن ينتهي اليوم. لا شك في أن طرح قضية مماثلة جاء من باب العلاقة التاريخية والثقافية بين الشعبين اللبناني والسوري، أضف إلى ذلك الحرب التي أرخت بظلالها على لبنان واليوم ترخي بظلالها على سورية. من ثم، عند اختيارك الموضوع الذي سيدور حوله فيلمك سيتجه تفكيرك تلقائياً إلى ما هو مناسب ومثير للجدل أي الموضوع الذي يحفّز المشاهد على التفكير في الأمور وتحليلها. كان اختيار موضوع الفيلم تلقائياً، خصوصاً أن عدد الأفلام التي عالجت موضوعاً مماثلاً قليل جداً وبالتالي ارتأينا أن نعطي العلاقة بين الشعبين اللبناني والسوري أهمية كبيرة كوننا متعايشين معه، وإلقاء الضوء عليه من شأنه مساعدة المشاهد على رؤية الأمور من منظوره الخاص. ولكن لماذا قررتم معالجة موضوع واقعي وحساس ضمن فيلم كوميدي خفيف بعيداً عن الدراما؟ لا شك في أن خلفية الفيلم تحمل أبعاداً درامية عدة تتجسد في الشخصية الرئيسة، أي «تيريز»، التي خسرت شقيقها بقذيفة سورية منذ أكثر من 20 عاماً، وهذا بحدّ ذاته موقف درامي لا بل تراجيدي. تقصدنا الابتعاد عن أسلوب الوعظ وقررنا طرح الأمور كما هي وبجرأة من دون التجريح بأحد ضمن قالب كوميدي، لأن الكوميديا في نظرنا هي أسهل طريقة ليكتشف الناس أخطاءهم وليسخروا منها. من ثم، طرح الموضوع بأسلوب كوميدي سيدفع المشاهد إلى التفكير بطريقة إيجابية.
عنصرية وحقد
هل يمكن اعتبار الفيلم سخرية من العنصرية؟ سيحدد الناس هذا الأمر من خلال الانطباع الذي سيخرجون به عند مشاهدة الفيلم. يتطرق الأخير إلى نظرة الشعبين اللبناني والسوري إلى بعضهما بعضاً على المستوى الاجتماعي وإلى العلاقة التي تجمعهما. لا شك في أن العنصرية هي واحدة من العناصر التي يدور حولها موضوع الفيلم، بالإضافة إلى الحقد والتعصب وكيف أن المرء يظلّ حبيساً للماضي ولواقع معين لا يمكنه التخلص منه. من هنا سمّي العمل «محبس» الذي يعني خاتم الزواج كون موضوعه يدور أيضاً حول قصة حب تجمع بين شاب سوري وفتاة لبنانية، وفي الوقت نفسه يعني «الحبس» أي الشخص الذي يعيش أسير ماضٍ معين يجد صعوبة كبيرة في تخطيه، من ثم يخفق في متابعة حياته بشكل إيجابي. نفهم من ذلك أن الفيلم يحمل رموزاً وأبعاداً كثيرة. لم ننفذ النص خلال فترة قصيرة، والدليل أننا كتبنا خمس نسخ قبل اختيار النسخة الأخيرة. حاولنا الابتعاد عن النصوص السطحية وحرصنا على أن يمتلك النص محاور عدة تتمحور حول العلاقات الإنسانية التي تحثّ المشاهد على التفكير والضحك في الوقت نفسه، فالفيلم ليس ترفيهياً فحسب إنما هو يشكل حافزاً للناس للتفكير بالموضوع الذي يطرحه.انطباع واحد
هل تعتقدين أن الفيلم سيترك انطباعات مختلفة بين شخص وآخر؟ أعتقد أنه سيترك انطباعاً واحداً سيتشكّل انطلاقاً من وجهة نظر كل شخص. ثمة اللبناني الذي يشبه «تيريز» والآخر الذي لا يفكّر مثلها، وثمة السوري الذي يفكّر كالشخصيات السورية في الفيلم والسوري الآخر الذي يخالفها الرأي. وتبقى النتيجة في الحالات كافة نفسها، ولكن بناء على خلفية كل شخص وعلى طريقة تفكيره. إلى أي حدّ تكون مهمة إدارة الإخراج سهلة على المخرج حين يشارك في الكتابة أيضاً؟ وجودي مع شخصيات الفيلم وتعايشي معها أكثر من عامين، كوننا بدأنا بكتابة النص في أوائل 2013 ولم نستهل التصوير قبل 2015، هو ما سهّل عليّ الإخراج. هذه المدة الزمنية الطويلة التي عشتها مع الشخصيات جعلتني أشعر بأنني صرت جزءاً منها وبت أعرف طبيعة كل واحدة منها على حدة، ما سهّل بطبيعة الحال عملي كمخرجة من ناحية إدارة الممثلين لأنني كنت على دراية تامّة كيف يجب أن تطل الشخصيات على الناس وما هي أبعادها النفسية. طبعاً، يبقى التحدّي الأول والأخير أن «محبس» هو أول تجربة سينمائية طويلة لي نقلتني من عالم الفيديو كليب إلى السينما. هو تحدٍّ كبير أخذته على عاتقي، أي إدارة فيلم طويل، والالتزام بإيقاع معين، فضلاً عن التقيّد بمعايير محددة لا يجوز النزول عنها، فضلاً عن القرارت التي يتخذها المخرج وحده دون سواه من التحضير إلى التصوير وصولاً إلى مرحلة الإنتاج من مونتاج وغيره. هذه كلّها قرارت متتالية بين يديه، هو مسؤول عنها. بالتالي، شكّل ذلك تحدّياً كبيراً بالنسبة إليّ وإيجابياً في الوقت نفسه، وأتمنى تكرار هذه التجربة. إلى أي حدّ تشكّل هذه التجربة حافزاً لاستمرارك في مسيرتك السينمائية وتنفيذ مشاريع أخرى؟ لم أمتلك يوماً الجرأة والشجاعة للإقدام على تنفيذ فيلم سينمائي طويل لأنني كنت أشبّه خطوة مماثلة بجبل ضخم أريد أن أتسلقه، وشعرت بأن النجاح لن يكون حليفي. اليوم وبعد تحقيق أول مشروع سينمائي، وبعدما كنت أخاف من هذه الخطوة، أصبحت أواجه خوفاً جديداً يتملكني وهو التحدّي في اختيار الموضوع الذي يتناسب مع تطلعاتي وفي الوقت نفسه سيجذب الناس. وبات من شبه المؤكد أنني سأعمل على مشروع سينمائي جديد، ولكن طبعاً هذا الأمر يحتاج إلى كثير من الوقت والتحضير، خصوصاً أنني لن أخرج أي فيلم إن لم يكن من كتابتي. الأمر أشبه بكرة ثلح تتدحرج، أي أن الخوف الذي شعرت به في البداية ما لبث أن تطوّر ليصبح خوفاً من نوع آخر لأن الجمهور إن كان راضياً عني في المرّة الأولى فتلقائياً سأعمل جاهدة كي لا أخذله في المرّة المقبلة، وفي الوقت نفسه سأختار الموضوع الذي يرضيني شخصياً ويفرحني مع الأخذ بعين الاعتبار قدرة الجمهور على التعاطف مع القصة، وبأن تكون الأخيرة تعنيه وتمسّه شخصياً.بصمة شخصية
لماذا تصرّين على أن يحمل الفيلم الذي ستخرجينه بصمتك ككاتبة؟ صراحة، لمست أن الكتابة تستهويني كثيراً وشعرت بأن كتاباتي تحمل بعداً جديداً، أضف إلى ذلك أنني أحب أن أكون على اتصال مباشر بالشخصيات التي يتضمنها الفيلم الذي سأديره وأخرجه. يجب على القصة أن تحمل بصمتي الخاصة وأن تنبع من داخلي، ولا أحبّذ النصوص التي تأتيني من الخارج، خصوصاً أن تحضير الفيلم وتنفيذه يحتاجان إلى وقت طويل، من ثم عدد الأفلام التي سأنفذها خلال مسيرتي المهنية ربما لن يتعدى الثلاثة أفلام. لذا إن أتيحت لي الفرصة للعمل على فيلم جديد أو أكثر فأفضل أن يكون مبنياً على قصّة كتبتها شخصياً، وليس على نص فُرض عليّ ويقتصر دوري على تنفيذه. اعتبر البعض أن العنصر النسائي هو الأقوى في الفيلم. هو الأقوى من ناحية طاقم العمل، بدءاً منّي وصولاً إلى المنتجة والكاتبة ناديا عليوات..شخصية رئيسة ولكن
تحدثنا إلى المخرجة والكاتبة صوفي بطرس حول شخصية «تيريز» في «محبس» التي تجسّدها الممثلة اللبنانية جوليا قصّار، كونها أبرز عنصر في الفيلم ويدور معظم أحداثه حولها. أكدت بطرس أن الشخصيات كافة في العمل مهمة، مشيرة إلى أن «القصة فعلاً تدور حول تيريز التي تكنّ للسوريين مشاعر الحقد بعدما خسرت شقيقها بقذيفة سورية خلال الحرب اللبنانية، وخلال التحضير لخطوبة ابنتها تكتشف أن خطيب الأخيرة سوري لتتطور الأحداث. من هنا، يمكن اعتبار تيريز شخصية رئيسة في الفيلم ولكن هذا لا يعني أن بقية الشخصيات أقل أهمية منها، فكل شخصية تؤدي دوراً بارزاً في حبكة القصة، وحاولنا قدر المستطاع أن نعطي كل واحدة القالب الذي يجعلها واقعية وقريبة من الناس، وهذا ما لمسناه فعلاً من ردود فعل الناس الذين شاهدوا الفيلم في «مهرجان دبي السينمائي»، إذ شعروا بأن الشخصيات قريبة منهم وكأنهم يعرفونها».
الكوميديا أسهل طريقة ليسخر الناس من أخطائهم
من شبه المؤكد أنني سأعمل على مشروع سينمائي جديد
أفضل أن يكون فيلمي مبنياً على قصّة كتبتها شخصياً ونابعة من داخلي
من شبه المؤكد أنني سأعمل على مشروع سينمائي جديد
أفضل أن يكون فيلمي مبنياً على قصّة كتبتها شخصياً ونابعة من داخلي