جلطة ذهنية
ذكرت في مقال سابق بعنوان «وعود غير جدية» أن الحكومة غير جادة في حلحلة الملفات التي يتبناها الإصلاحيون من النواب، والتي أهمها على الإطلاق «ملف الجناسي»؛ فالمتتبع للشأن السياسي؛ منذ إصدار وثيقة الدستور والعمل به وإلى يومنا هذا لا يخطئ حقيقةَ أن الحكومات المتعاقبة غير مقتنعة بفكرة الديمقراطية، فمنذ البداية اتبعت هذه الحكومات ثلاث سياسات للتعاطي مع مجلس الأمة، تبدأ أولا بالإغراءات والعطايا والهبات.. إلى غير ذلك من أشكال الولاءات السياسية، ثم مرحلة المساومات وهذه موجهة لقوى المعارضة، وإذا لم يخني الحدس فإننا نعيشها الآن؛ وأتوقع أن تتم المساومة حول «ملف الجناسي» في مقابل عدم استجواب رئيس مجلس الوزراء طوال عمر المجلس أو غض طرف قوى المعارضة عن ملفات فساد سابقة.أما المرحلة الثالثة فتتمحور حول الإدارة بالأزمة، ولإثبات ذلك تكفي مراجعة التاريخ لنكتشف أنه في 25 يناير 1967 حدثت أزمة تزوير الانتخابات؛ بهدف منع نواب المعارضة من الفوز بعدد مؤثر من المقاعد النيابية، وفي 29 اغسطس 1976؛ حل مجلس الأمة والمشروع الحكومي لتنقيحه؛ تم ذلك دون مقدمات وخلال العطلة الصيفية لمجلس الأمة، حيث قدمت الحكومة استقالتها محمِّلة المجلس مسؤولية تعطيل مشاريع القوانين، وصدر مرسوم آخر يتيح للحكومة حق تعطيل الصحف إداريا.وفي 3 يوليو 1986؛ تم حل مجلس الأمة وتعليقه؛ كما صدر مرسوم آخر حجّم حرية الرأى والتعبير، أما عن عَشر السنوات الماضية؛ فحدث ولا حرج، حيث تم حل مجلس الأمة 6 مرات من أصل 9 عبر تاريخه، بالإضافة إلى حالتَي إبطال قضائي.
هذا المزاج الحكومي المهيمن على فضاء السياسة الكويتية، أدى إلى تراجع مستوى الحريات وزادت معه مؤشرات الفساد؛ وهذا لا يتماشى مع صحيح الدستور الذي أتاح من خلاله المشرع إمكانية تنقيح الدستور ذاته بعد أربع سنوات لمزيد من الحريات!ختاماً: على الحكومة أن تتخلص من آثار الجلطة الذهنية المزمنة التي تعانيها، وذلك بالتخلي عن حالة القدسية التي تعيشها، والتي تنقلها إلى المجتمع الكويتي، ليتم إنجاز أساسيات الإصلاح والكفاءة الإدارية في قيادة الدولة للمجتمع بسيادة القانون على الجميع بلا تفرقة؛ فالكل سواسية.ودمتم بخير.