الرجال في الجنة والنساء في النار
هكذا يُخيَّل لي كلما أبحرت في عالم الفتاوى الغائر العميق، هكذا أفهم عندما تُنصَب محاور الإفتاء حول المرأة بشكل مركَّز جدا، وكأن الأديان جميعا جاءت لتقويم المرأة دون غيرها، هكذا أفهم عندما يصر الآباء على إنجاب الذكور دون الإناث، هكذا أفهم عندما يلقي المجتمع على عاتق المرأة مسؤولية كل إثم أو ذنب يقترفه ابنها أو زوجها أو حتى أخوها الذي أهملته، هكذا أفهم عندما ينصرنا الدين في الكثير من المواضع ويهرول بعضكم فورا للبحث عن صحة الأحاديث المنقولة في هذا الصدد. وكأنكم تشككون في تقدير الدين للمرأة أو أنكم لا تريدونها أن تدرك عظمتها، هكذا أنتم لا تريدون أن تكون للمرأة منزلة وكيان مستقل عنكم، تريدونها إما سجينة تحت أيديكم أو ملكا لكم فقط، فالمرأة ليست نصف المجتمع كما ترددون «هرجا»، المرأة في عقولكم كائن دفنّ حياً من ذي قبل، والآن تسعون لخنقه ببطء، فحرام عليها كل شيء، حتى إنكم خلقتم عادات وتقاليد تتبعونها كقانون فيما يخصها.
حتى المكروه عليها جعلتموه من الكبائر المحرمة، وكأن الكون أجمع وُجِد ليتتبع المرأة ويلاحقها، أسأتم أنتم الرجال فهم «القوامة»، فوظفم أنفسكم آلهة عليها، نسيتم أنفسكم وكرّستم حياتكم، إما لتضييق الخناق عليها أو اللهاث وراءها، نسيتم كذلك أننا سواسية في الإثم والعقاب، ولا فرق بيننا إلا في القوامة والميراث، رغباتنا واحدة كما أن حقنا في الحياة واحد.وكلانا فتنة، ليس كما تدّعون أن الفتنة مقتصرة عليهن دونكم، كما أن العفة والستر على كلينا واجب، فكلانا له حق الحرية والاستمتاع والعيش على هذه المنظومة الكونية الكبيرة، لا تفضيل من الله لأحد على غيره، خلقنا جميعا وتقع علينا جميعا مسؤولية تصرفاتنا وأعمالنا، فليكف المجتمع عن تنزيه الرجل وتهميش المرأة، ولتكف المرأة نفسها عن عدم الإيمان بذاتها، فمن كثرة لومها صدّقت المسكينة أنها فعلاً سبب كل مشكلة وحرب على هذه الحياة الشرسة العويصة. هي ليست كذلك، بل أنتم من لا يتمنى لها العيش الكريم، وأنتم كذلك من لا يريد الهناء إلا لأنفسكم، فـتأخذون من الدين ما تهواه أنفسكم وتتركون البقية، لا يهم، فالله غفور رحيم!