إبداعات
![عبدالهادي شلا](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1599156177023124700/1599156222000/1280x960.jpg)
الفنون ومجالات الإبداع الأخرى جميعها بجانب وعي الفنان وعبقريته تحتاج إلى معرفة واطلاع على تجارب الآخرين وعلى منابع أسرارها التي استقى منها المبدعون أفكارهم، وأعادت ملكاتهم إبداعها بصورة أكبر وأكثر تعاملاً مع سمات العصر الحديث، والتي استفادت من هذه الاكتشافات والاختراعات التي لامست كل أوجه الحياة لتصنع لها صفات ومميزات جديدة أكثر إشراقا ويسرا، ومنها إبداع المبدعين من الفنانين الذين كانوا عبر الزمن هم من سجل الحضارات بأدق تفاصيل الحياة فيها، كما وصلتنا وأصبحنا امتدادا لها. بابلو بيكاسو، وهو أعظم فناني القرن العشرين الذين ابتكروا أساليب فنية مازالت قائمة يدرسها الفنانون ويتعلمون منها ويبدعون فيها أيضا، يقول: «أنا لا أرسم ما أرى... بل أرسم ما أعرف». إذاً الرسم في المدارس الفنية الحديثة لا يجب بالضرورة أن يطابق الواقع المرئي بالعين في جوهره العظيم كما في الأساليب الفنية التقليدية مثل التعبيرية أو الواقعية وغيرها مما ألفتها العين سنين طويلة في زمن مغاير، إنما ينبع من معرفة المبدع «الفنان» بما حوله من معرفة عميقة بجوهره، يستخرج منه ما لا تراه عين الآخرين، ويعيد صياغته برؤية يلبسها ثوبا إبداعيا جديدا لتستقر مرة أخرى في وجدان ومشاعر المتلقي بمعنى ومفهوم جديدين، يلتقيان مع بعض ما في نفسه الباحثة عن الأسئلة المحيرة فيجد الجواب فيها.فمثلا «المدرسة التكعيبية» التي وُلِدت في فرنسا على يد بابلو بيكاسو وجورج براك وخوان جريس، هي اتجاه فني ظهر في فرنسا في بدايات القرن العشرين الذي يتخذ من الأشكال الهندسية أساسا لبناء العمل الفني، حيث قامت هذه المدرسة على الاعتقاد بنظرية التبلور التعدينية التي تعتبر الهندسة أصولا للأجسام، وذلك على أسس علمية ومعرفية عادت بما هو مألوف إلى أصوله الهندسية التركيبية والتحليلية.الذين يعانون صعوبة في فهم الأساليب الجديدة في الفن هم في حاجة إلى ثقافة فنية تعينهم على فهم كل جديد، وهذه مسؤولية متشابكة بين البيت والمدرسة وأسلوب الحياة اليومية، ولا نغفل أهمية وسائل الإعلام التي مازالت فقيرة فيما تمنحه من مساحة للفن التشكيلي كما تمنحها لغيره من الفنون.عندئذ سيعرف المتلقي أن الفنان يعكس ما لديه من معرفة مستنبطة من جوهر الأشياء المألوفة، لكنه لم يدرك هذا الجوهر وقيمته، إلا حين تجلى في عمل فني... وهو من سمات العصر ومتطلباته.* كاتب فلسطيني - كندا