انعقد في العاصمة التركية، على مدى يومي الأربعاء والخميس الماضيين، مؤتمر نادر جمع معظم الفاعلين السياسيين السُّنة بالعراق، مما أثار ردود فعل متوجسة من الأجنحة العراقية القريبة إلى طهران، وسط تأييد كردي، وصمت «إيجابي» التزمته الأطراف الشيعية المقربة إلى النجف.

وخرج المؤتمر ببيان خلا، على غير العادة، من أي عبارات متشنجة، وحدد بضعة مطالب «تحت سقف الدستور»، ودان «داعش» بقوة، مطالباً بغداد بـ«توزيع عادل للثروة»، ورافضاً لـ«محاولات تقسيم العراق»، في حين أعلن حاجة المدن السنية المدمرة إلى مساعدة دولية لإعادة بناء الاستقرار.

Ad

وتأكيداً لما تداولته وسائل إعلام محلية، قال سياسي موصلي بارز حضر المؤتمر، في تصريح لـ«الجريدة» طالباً عدم ذكر اسمه، إن من بين أبرز الحاضرين، وزير المال الأسبق رافع العيساوي الشخصية البارزة في الأنبار، وخميس الخنجر رجل الأعمال البارز من الأنبار، والأخوين أسامة وأثيل النجيفي، اللذين يمثلان ثقلاً سياسياً واسعاً في الموصل، حيث يشغل الأول منصب نائب رئيس الجمهورية، بينما بقي الثاني محافظاً لمدينة الموصل حتى إقالته بضغط من كتلة نوري المالكي رئيس الحكومة السابق العام الماضي، فضلاً عن ممثلين لمعظم الكتل النيابية السنية، إلى جانب شخصيات لم تشارك في العملية السياسية وظلت في السابق معارضة لها، لكنها بدت منخرطة الآن في الاعتراف بالدستور ودعم حوار مع بغداد لتسوية مستقبل الإدارة في المناطق المحررة من «داعش».

وتضاربت الأنباء بشأن حضور رئيس البرلمان سليم الجبوري لهذا اللقاء، الذي يبدو أنه شعر بحرج في التوفيق بين رغبة جناح المالكي المقرب إليه والرافض لتكوين واجهة سنية من القيادات القديمة، وبين الدعم العربي والأميركي لهذا اللقاء، رغم أن إياد السامرائي زعيم الحزب الإسلامي العراقي (إخوان مسلمين) والذي ينتمي إليه الجبوري، حضر لقاء أنقرة.

وتقول الأوساط السياسية في بغداد، إن القوى السنية التقليدية مدعومة بـ«تشجيع خليجي وأميركي» يتضمن وعوداً بمنح مالية كبيرة لإعادة إعمار المدن المحررة من «داعش»، تحاول بناء «مظلة أو واجهة جامعة تمثل المجتمع السني» بعد أن تمزقت القائمة العراقية التي كانت تعتبر مظلة لهم، منذ مطاردة بعض قادتها وهربهم إلى خارج العراق إثر الانسحاب الأميركي نهاية عام 2011.

إلا أن السياسي الموصلي البارز قال لـ«الجريدة»، إن تكوين «مظلة جامعة» تتفاوض مع بغداد وتنخرط في حوار مع المجتمع الدولي بشأن مستقبل السنة في العراق، هو الطموح، لكن اللقاء لا يزال «جهداً أولياً تشاورياً»، سيتواصل لتحقيق الأهداف المذكورة، في إشارة إلى وجود خلافات بين الأطراف السنية وتباين في وجهات النظر بين الداعمين العرب وتركيا والولايات المتحدة بشأن قضايا عديدة ستكون على طاولة الحوار على مدى الشهور المقبلة، حسب تعبيره.

وتنشغل الطبقة السياسية في العراق وخريطة الحلفاء الداعمين المعقدة إقليمياً ودولياً، بالتخطيط لمرحلة ما بعد «داعش» مع اقتراب نهاية التنظيم في مدينة الموصل آخر معاقله في البلاد، في حين يواجه الجميع خلافات لا تحصى حول مستقبل الإدارة الأمنية والسياسية في مناطق تشهد انقساماً كردياً عربياً، وبين الطوائف الشيعية والسنية والأقليات المسيحية والايزيدية وغيرها، في شمال البلاد المتنوع بشدة.

وبينما تحاول الأطراف المقربة إلى طهران «اختلاق» طبقة سياسية سنية جديدة تتكون من نواب مغمورين وشيوخ عشائر ثانويين باتوا يعرفون بـ«سنة إيران»، تفضل الولايات المتحدة إقناع رئيس الحكومة حيدر العبادي والقيادات المقربة إلى النجف، بالعمل مع الفاعلين السياسيين السنة التقليديين وبعضهم مطلوب للقضاء في تهم يقال إنها كيدية تعود إلى حقبة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، الأمر الذي اضطر السنة إلى عقد سلسلة اجتماعات في الدوحة والعاصمة الأردنية عمان، ولاحقاً في جنيف الشهر الماضي، ثم أنقرة، لإعادة بناء «البيت السني» وملء ما يعرف بفراغ القيادة في المناطق المحررة من «داعش»، والتي توليها واشنطن أهمية قصوى حرصاً على منع توفير الظروف التي سهلت ظهور «داعش» مستغلاً الفراغ المذكور، والفجوة التي كانت خطيرة بين الأهالي والحكومة المركزية.