الأماكن تحمل سماتها معها. هناك أماكن لها هيبتها، بدلالة عناوينها، في المقابل، ثمة أماكن أقل هيبة من سواها. فمكان يطلق عليه اسم رابطة الأدباء الكويتيين، يدل على مكان لتجمع الأدباء، ومسرح لفعالياتهم الموسمية. وكذلك مكان كالجمعية الكويتية للفنانين التشكيليين أو المعهد العالي للفنون المسرحية أو الموسيقية أو دار الأوبرا، أماكن ذات دلالات وسمات وهيبة. هي أماكن يتوقع مرتادوها أنها تمثل ثقافة شعب، وجزءاً من تاريخه الأدبي والفني. وكل فعالية في هذا المكان تمثل جزءاً من سيرته وتاريخه. ما حدث في رابطة الأدباء الكويتيين قبل أيام، وما يحدث دائماً في دار "الأوبرا" أخرج المكانين عن هيبتهما، التي يفترض أن يحملاها.

شخصياً، لست ضد الشاعر كريم العراقي، ولا ضد شعره وجمهور شعره، ولو أقام أمسيته في مكان آخر غير رابطة الأدباء لما أثار اهتمامي ولا رغبتي في الكتابة عنه. فهو شاعر شعبي لا يصل إلى مستوى الشعراء الشعبيين الكبار، وهو شاعر فصحى متواضع جداً، والمكان الذي ازدحم به ليس مكانه. وكل ماحدث هو أن الرابطة كانت تبحث عن جمهور؛ فتنازلت عن هيبتها لتقدم للجمهور أمسية بهذا المستوى.

Ad

السؤال الأهم هنا: هل ما حدث هي أول خطوة على الطريق التي اختارتها الرابطة لإحياء أمسياتها الميتة؟ إذا كان الأمر كذلك، والهدف الوحيد هو جذب جماهير المطربين وشعرائهم وكتاب أغانيهم؛ فستنجح الرابطة جماهيرياً، لكنها ستسقط أدبياً.

الرابطة، وحسب معرفتي لم تقدم مسرحها لشعراء الأغاني في الكويت، ولم يطالبها أحد بذلك، لأن الانتماء إليها ونيل عضويتها يتطلب أعمالاً أدبية تكتب باللغة العربية الأم، وهذا حقها، ودورها الذي أنشئت من أجله. وهي أيضاً لا تنشر في مجلتها "البيان" شعراً شعبياً ولا شعراً عربياً ركيكاً كالذي ألقاه ضيفها، ومنه هذا النص:

"بالأمس رأيته في دائرة الهجرة

رأيته...

المتعب الجريح مدمن الحروب

رأيته رآه كل الناس

تقدم العراق حاملاً أوراقه

تقدم العراق طالباً مرحمة اللجوء صار العراق خارج العراق

مخلفاً وراءه النيران والدخان

مخلفاً وراءه جمجمة الحضارة..."

أما قصائده الشعبية، فأتركها لمن يجيد الحديث عنها.

المكان الثاني الذي يبدو أنه يعاني منذ إنشائه مشكلة الهيبة، هي دار الأوبرا، مكان يحظى بهيبة خاصة في كل بلد تضمها. ما حدث أن الفهم الخاطئ للمكان حوّل دار الأوبرا إلى مسرح غنائي عالي التكلفة، ويحتفي بأصوات كان المرحوم يوسف دوخي لا يجد لها تصنيفاً على السلم الموسيقي. وفي المقابل لا يجد أستاذ العود في الأوبرا المصرية نصير شمّة مكاناً يليق بالرجل للعزف فيه. كان الأجدر بدار الأوبرا ألا تفوّت فرصة وجوده لإقامة حفل خاص به.

دار الأوبرا مكان مهم وأصيل لاستضافة فرق عالمية أوبرالية، ليتعرف الجمهور على ثقافات مختلفة، وفنون أخرى، ربما كان يصعب على الجميع حضورها في بلدانها. وإن لم نستطع ذلك فلنغير اسم المكان ليدل عليه.