البحث عن الصحيح في ثورة التصحيح
أحد هذين البرلمانين هو مجلس النواب المصري، الذي كان حصاد ثورة الربيع العربي، أو بالأحرى ثورة التصحيح في 30 يونيو، ولا أحد يعلم ما هو الصحيح في ثورة التصحيح؟! وقد صدرت أحكام القضاء ببراءة الجميع من تهمة الكسب غير المشروع في كل القضايا التي أحيلت إليها ضد رموز النظام السابق والأحكام عنوان الحقيقة، وعاد أغلب هؤلاء يتحملون مسؤولية الحكم، إلا من آثر اختيار البقاء والتواري بعيدا عن الأنظار خارج مصر أو داخلها، وقد شبع من ذهب المعزّ، فخاف من بطشه، ولم تبخل الميديا (الصحافة وغيرها) على الكثيرين منهم، بما يشتهون من عرض ما حققوه من إنجاز.وكان لهؤلاء وأولئك نصيب الأسد في كراسي البرلمان الوثيرة، وفي رئاسة لجانه المهمة، حتى إن نائبا سبق اتهامه في قضية تعذيب أصبح رئيسا للجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب.ما زال البرلمان سيد قرارهوما زال مجلس النواب أحد حصاد ثورة التصحيح سيد قراره، وهي "الحدوتة" التي ابتدعها مجلس الشعب المصري، عندما رفض تنفيذ أحكام محكمة النقض ببطلان الانتخابات في بعض الدوائر، وأحكام مجلس الدولة ببطلان الانتخابات.إلا أن الدستور الجديد (2014) ألزم مجلس النواب باحترام أحكام القضاء والنزول عند أحكام محكمة النقض التي تفصل في الطعون الانتخابية.إلا أن المجلس لا يزال يعيش حدوتة المجلس سيد قراره، بالتلكؤ في تنفيذ حكم محكمة النقض الذي أبطل انتخاب محمد مرتضى منصور، وإن صحيح نتائج الفرز كانت لمصلحة منافسه الدكتور عمرو الشوبكي، وبالرغم من صدور قرار لجنة الشؤون الدستورية والقانونية، برئاسة المحامي القدير عبده أبو شقه بوجوب تنفيذ حكم محكمة النقض، وبطلان عضوية النائب المبطل عضويته بالحكم، فإن النائب د. عمرو الشوبكي لم يمكنه المجلس من حلف اليمين الدستورية حتى الآن.هجوم المجلس على الصحافةوفي جلسة صاخبة يوم 28 فبراير الماضي لمجلس النواب المصري، كان الهجوم عنيفا على الصحافة بوجه عام وعلى جريدة "الأهرام" وإبراهيم عيسى بوجه خاص، الذي قاده رئيس المجلس د. علي عبدالعال قائلا "إننا نصرف على هذه الجريدة، وهي تشوه صورتنا".وكان هجوم الرئيس كافيا لفتح الباب على مصراعيه، وفتح شهية أعضاء المجلس، لمشاركته في هذا الهجوم، وعلى رأس هؤلاء النواب النائب مرتضى منصور، والد النائب المبطل عضويته، قائلا "اللي مش هيحترم نفسه هياخد بالجزمة القديمة"، وقدم اقتراحا بتفويض رئيس المجلس في تقديم بلاغ ضد الصحافي إبراهيم عيسى، رئيس تحرير جريدة "المقال" لإهانته المجلس، وهو ما طالب به كذلك الصحافي النائب مصطفى بكري، الذي وصف مقال إبراهيم عيسى بأنه جريمة في حق الشعب المصري والبرلمان.ومصطفى بكري هو مؤلف كتاب "تيران وصنافير سعوديتان"، الذي أصدرته دار المعارف المصرية، فما قصة مقال إبراهيم عيسى، الذي تسبب في إيقاف عرض برنامجه اليومي "العاشرة مساء" على قناة "القاهرة والناس". لقد قال في مقال له في صحيفته المقال: إن ائتلاف دعم مصر، الذي فاز بأغلبية مقاعد مجلس النواب، مختار بمعرفة الأجهزة الأمنية، والواقع أن أحدا لا يعرف كيف تشكل هذا الائتلاف الذي كان الداعي له والراعي سامح سيف اليزل الذي كان وكيلا للمخابرات العامة قبل ثورة 25 يناير، وقد اختار اسمه بعناية ودقة ليجذب إليه المرشحين الذين يريدون دعم الدولة لهم بانخراطهم في تكتل لدعم مصر، أي دعم نظام الحكم تحقيقا لاستقرار الحكم واستقرار الأمن والنهوض اقتصاديا بالبلاد، وليجذب أيضا الناخبين الذين ضاقوا ذرعا بالفوضى وعدم استقرار الأمن الذي ساد البلاد بعد 25 يناير.ولكن هذا الائتلاف بدا، من ممارساته في مجلس النواب، بعيدا جدا عن رؤية الكثيرين له، في دعم مصر إلى دعم الحكومة والتصويت لمصلحتها، بل بدا ملكياً أكثر من الملك في تأييد نظام الحكم، وبدا امتدادا لنظرية الحزب الواحد، الذي تمثل في هيئة التحرير في بداية ثورة 23 يوليو، ثم الاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي، ليحتل الدور الذي يلعبه الحزب الحاكم، بعد أن رفض الرئيس السيسي أن يكون له حزب.الصحافة والبرلمان غير المنتخبوهو اللقب أو الوصف الذي أطلقه أستاذ الجيل والأجيال الراحل د. أحمد لطفي السيد الذي كان أول رئيس لأقدم جامعة في مصر وهي جامعة القاهرة، أطلقه على الصحافة تقديرا لدورها الرقابي والمجتمعي.وقد كتبت مقالاً في صحيفة "القبس" في عددها الصادر في 26/ 3/ 1995 تحت عنوان "المصداقية الديمقراطية لنواب الأمة"، تعليقا على وقوف مجلس الأمة دفاعا عن حياض الصحافة عندما أقدمت السلطة التنفيذية على تعطيل صحيفة "الأنباء" قلت فيه: "الصحافة تشارك البرلمان رقابته البرلمانية في الدول الديمقراطية، إنها توجه الأسئلة إلى الوزراء والمسؤولين وتنقد تصرفاتهم، بل تستجوبهم وتحاسبهم وتكشف عن أي انحراف، وليس ببعيد فضيحة ووترغيت التي هزت الولايات المتحدة الأميركية وزلزلت الأرض من تحت أقدام الرئيس نيكسون، والصحافة تتلقى العرائض والشكاوى من المواطنين، فتوجهها على صفحاتها إلى الجهات المختصة، فتحدث بهذه العلانية من الأثر في المسؤولين ما لا تحدثه العرائض والشكاوى التي تتلقاها البرلمانات، والتي قد لا تتسم بالعلانية الكافية، والصحافة تنقل أيضا إلى المسؤولين رغبات قرائها بما يشبه الاقتراحات برغبة التي يقدمها أعضاء المجالس النيابية، وهي تطرح على صفحاتها الموضوعات العامة للمناقشة واستيضاح سياسة الحكومة في شأنها، وقد يشترك في المناقشة العامة المفتوحة مئات القراء، بل تجري الصحافة استطلاعات الرأي العام التي يشارك فيها الألوف بل الملايين أحيانا من مواطنيها، وتباشر الصحف من التحقيقات الصحافية وما يفوق أحيانا التحقيقات البرلمانية في استجلاء الحقيقة، وقد كان للتحقيقات الصحافية التي أجرتها الصحافة المصرية في قضية الأسلحة الفاسدة الفضل في الاستجواب الذي قدمه عضو مجلس الشيوخ المصري الشيخ الراحل مصطفى مرعي، ويخلص مما تقدم أن الصحافة تمارس بموجب قانون غير مكتوب ذات الصلاحيات التي يمارسها البرلمان المنتخب بموجب دستور مكتوب".وللموضوع بقية إن كان في العمر بقية.
مقالات
ما قل ودل: ربيع ساخن ومعركة حامية وقصف متبادل بين برلمانين (1-2)
12-03-2017