تفاقمت، أمس، أزمة اندلعت بين تركيا وهولندا التي رفضت استقبال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو لحضور مؤتمر مؤيد لتوسيع صلاحيات الرئيس رجب طيب إردوغان كان من المفترض إقامته بالقنصلية التركية في روتردام، أمس الأول، كما طردت وزيرة شؤون الأسرة التركية فاطمة بتول كايا.

Ad

تعامل بشع

ودانت وزيرة شؤون الأسرة التي عادت إلى إسطنبول، بعدما رحلتها السلطات الهولندية إلى ألمانيا، «التعامل البشع الذي لقيته من هولندا»، وقالت كايا للصحافيين في مطار اتاتورك في اسطنبول، حيث استقبلتها جموع تحمل الأعلام التركية: «تعرضنا لمعاملة فظة وقاسية وغير أخلاقية، قضينا ليلة مريرة في هولندا».

وأضافت كايا: «كوزيرة تحمل جواز سفر دبلوماسي لا أحتاج إلى إذن لأجتمع بمواطنينا في قنصليتنا التي تعد أرضا تركية».

وتابعت الوزيرة المحجبة: «تم توقيفنا على بعد 30 مترا من مبنى القنصلية، ولم يسمح لنا بالدخول إليها، ولم يسمحوا لقنصل بلادنا بالخروج من مبنى القنصلية للقائنا. أوقفنا لساعات».

تفريق وتبرير

ومساء أمس الأول، تجمع نحو ألف متظاهر وهم يرفعون الأعلام التركية أمام قنصلية تركيا في روتردام قبل أن تفرقهم بخراطيم المياه عناصر من قوة «مكافحة الشغب» يمتطون خيولاً، كما تم استخدام الكلاب.

ووصفت الحكومة الهولندية قدوم الوزيرة التركية بأنه عمل «لا مسؤول»، وقالت في بيان: «قلنا وكررنا أن السيدة كايا ليست موضع ترحيب في هولندا، لكنها قررت مع ذلك السفر».

وقال رئيس بلدية روتردام، أحمد أبوطالب، صباح أمس، للصحافيين إن الوزيرة التركية «طردت إلى البلد الذي جاءت منه».

وأضاف أبوطالب أنه بعد ساعات من المفاوضات «تبين أنه من المستحيل التوصل إلى حل».

علم وتحميل

في غضون ذلك، انتزع متظاهرون أتراك غاضبون العلم من على مبنى القنصلية الهولندية في إسطنبول أمس، في حين غرد الأتراك بكثافة على «تويتر» رفضا للإجراءات الهولندية.

ورفع المتظاهرون علم تركيا بدلاً من علم هولندا، في حين حمّلت السلطات الهولندية أنقرة المسؤولية عن سلامة دبلوماسييها بعد مهاجمة القنصلية بإسطنبول، وهدّدت المسؤولين الأتراك بإجراءات حازمة.

واستدعت وزارة الخارجية التركية القائم بالأعمال الهولندي في أنقرة لإبلاغه بأن تركيا «لا ترغب في عودة السفير الهولندي الموجود حالياً في الخارج، إلى العمل قبل فترة من الوقت».

وكانت أنقرة أعلنت أنها أغلقت الطرق حول السفارة الهولندية في انقرة والقنصلية في اسطنبول، ومنعت بذلك الوصول إليهما «لأسباب أمنية».

وذكرت مصادر في وزارة الخارجية التركية أن «الإجراء نفسه شمل منزلي القائم بأعمال السفارة والمسؤول القنصلي».

إردوغان

من جانبه، ندد إردوغان بسلوك يذكر بـ»النازية والفاشية»، وأضاف في كلمة في اسطنبول إن معاملة وزيرته وشخصيات تركية اخرى في اوروبا تعكس تنامي «العنصرية والفاشية»، غير أنه قال إنه سينتظر حتى تتضح الرؤية بشأن السياسة الهولندية تجاه بلاده بعد إجراء الانتخابات الهولندية التي تجرى بعد غد الأربعاء، لاتخاذ ما يراه مناسبا للرد عليها. وهدد بفرض عقوبات اقتصادية.

وأكد إردوغان أن «هولندا ستدفع ثمن تصرفاتها بعد طردها وزيرة تركية ورفض استقبال وزير آخر، وإطلاق الكلاب على مواطنين أتراك هناك». وأضاف أن «الأتراك لن يغادروا هولندا بل ستتوسع الجالية التركية هناك، متعهدا بتعليم السلطات الهولندية ما هو معنى الدبلوماسية».

في المقابل شكر الرئيس التركي فرنسا لسماحها بزيارة وزير الخارجية مولود جاويش اوغلو لحضور تجمع مؤيد للتعديلات الدستورية التركية، أمس، وقال إن «فرنسا لم تسقط في الفخ».

في موازاة ذلك، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قبيل مشاركته بفعالية الجالية التركية في مدينة متز الفرنسية، إن بلاده ستتخذ حتماً الإجراءات اللازمة ضد هولندا، داعيا إياها إلى الاعتذار، مضيفاً: «ستستمر إجراءاتنا ما لم تقدّم اعتذارًا».

ووصف الوزير التركي هولندا بأنها «عاصمة الفاشية»، وذلك خلال كلمة ألقاها في فرنسا، معتبراً أن التبريرات الهولندية «وقحة»، وقال: «رفض الهولنديون وجودنا سوى للتنزه ومشاهدة الأزهار».

وتابع: «السلطات الهولندية أطلقت الكلاب البوليسية على الوفد التركي الرسمي، وسنرد بقوة على هذه التصرفات وسندفعها للاعتذار. لاهاي تمارس سياسة رخيصة وتسعى لكسب الأصوات الانتخابية مقابل مهاجمة تركيا».

وتأتي الأزمة بين تركيا وهولندا قبل الانتخابات التشريعية الهولندية التي شكل فيها الإسلام موضوعا أساسيا. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب الحرية بزعامة النائب اليميني المتطرف خيرت فيلدرز سيأتي في المرتبة الثانية في هذا الاقتراع.

تهدئة هولندية

وعلى الرغم من تسارع وتيرة التصعيد بين البلدين فإن رئيس الوزراء الهولندي مارك روته أكد صباح أمس أنه سيفعل كل شيء لنزع فتيل المواجهة الدبلوماسية مع تركيا والتي وصفها بأسوأ أزمة تشهدها بلاده في سنوات.

وقال روته: «لم أشهد ذلك من قبل، لكننا نريد أن نكون الطرف الأكثر تعقلا. إذا صعدوا سنضطر للرد، لكننا سنفعل كل ما في سلطتنا للتهدئة». وأضاف: «هولندا لن تسمح بأن يبتزها أحد»، لافتاً إلى أن ما فعلته بلاده يقع في إطار حقها لمنع التجمعات التركية لأنها تشكل تهديدا للنظام العام. ويواجه روته منافسة شرسة في الانتخابات مع السياسي المناهض للإسلام فيلدرز.

في هذه الأثناء، طالبت باريس تركيا بعدم اتخاذ إجراءات استفزازية تجاه الدول الأوربية، ودعت إلى تخفيف التوتر.

وأكد مصدر دبلوماسي فرنسي أن وزارة الخارجية أبلغت بقدوم الوزير التركي، مشدداً على أن «حضور جاويش للتجمع مرتبط بحرية التجمع».

فيلدرز: أتراك هولندا «طابور خامس»

شنّ زعيم اليمين المتطرف في هولندا خيرت فيلدرز هجوماً عنيفاً على الأتراك الهولنديين مزدوجي الجنسية. وقال في "تغريدة" على "تويتر"، أمس، على خلفية الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت، أمس الأول، بين تركيا وهولندا: "لدينا طابور خامس في هولندا (في إشارة إلى الأتراك حاملي الجنسية الهولندية) وينبغي أن نخرجه". وأضاف النائب المعادي للإسلام تعليقاً على تظاهرات الأتراك الهولنديين في مدينة روتردام مساء أمس الأول، ان "هولندا ستدرك الآن أن هؤلاء أتراك وليسوا هولنديين. هم يحملون جوازات سفرنا لكنهم لا ينتمون إلينا".

وتابع: "إذا كان ولاؤك لمكان آخر فارحل. لا لمزدوجي الجنسية بعد الآن، ونعم لتسكير الحدود".

ونشر فيلدرز صورة لمحجبتين تحملان علم تركيا خلال الاحتجاجات في روتردام وكتب فوقها: "هذه نتيجة سياسة الحدود المفتوحة، والهجرة الجماعية، والحفاظ على ثقافة المهاجر مع صفر تكامل وجنسيات مزدوجة التي اتبعناها على مدى عقود".

ويعيش نحو 500 ألف مهاجر تركي وأبناؤهم في هولندا ومعظمهم يحملون جنسية مزدوجة، ويحق لهم التصويت في البلدين.