عن صفقة التنازل عن الدور الرقابي للمجلس
الصفقة السياسية التي عقدها مؤخراً عدد من أعضاء المجلس مع الحكومة ونشرت بعض تفاصيلها وسائل الإعلام، والتي تعهدوا بموجبها بعدم مساءلة رئيس الحكومة طوال الفصل التشريعي الحالي، هي صفقة سياسية معدومة القيمة أو الأثر من الناحيتين السياسية والدستورية.
يقوم العمل السياسي، في بعض جوانبه، على الصفقات السياسية بين القوى السياسية المختلفة ومن ضمنها الحكومة وذلك من أجل الوصول إلى حلول توافقية للمشاكل العامة أو القضايا محل النقاش، ومن الطبيعي أن تحدد اتجاهات الصفقات والمساومات السياسية طبيعة موازين القوى السياسية، أما ميدانها فهو المواقف السياسية المتغيرة بحسب المعطيات وظروف الواقع وموازين القوى، لا المبادئ الفكرية أو القواعد والثوابت الدستورية. بمعنى آخر فإنه وعلى الرغم من أن العمل السياسي الحقيقي لا يعرف المعادلة الصفرية التي تعني هزيمة كاملة وماحقة للطرف المقابل، فإن ذلك لا يعني، بأي حال من الأحوال وتحت أي ظرف من الظروف، التخلي عن المبادئ أو التزام شخص ما أو تنظيم سياسي بشيء لا يملكه مثل التنازل عن حق دستوري.
بناء على ما سبق فإن الصفقة السياسية التي عقدها مؤخراً عدد من أعضاء المجلس مع الحكومة ونشرت بعض تفاصيلها وسائل الإعلام، والتي تعهدوا بموجبها بعدم مساءلة رئيس الحكومة طيلة الفصل التشريعي الحالي (أربع سنوات قادمة) هي صفقة سياسية معدومة القيمة أو الأثر من الناحيتين السياسية والدستورية، وذلك لتعارضها الصارخ مع نصوص الدستور ومع طبيعة الدور السياسي الذي من المفترض أن يقوم به المجلس كسلطة رقابية وتشريعية، إذ إنها تحوّله إلى مجرد شكل صوري أو جهاز حكومي توجهه الحكومة كيفما تشاء!والمفارقة العجيبة أن معظم الأعضاء، إن لم يكن جميعهم، الذين عقدوا "صفقة التحصين" باعتبارها "التزاما أدبيا وسياسيا" مثلما يقول العضو د. جمعان الحربش عندما حاول تبريرها فأكدها، كانوا هم ذاتهم يعيبون على مجالس مرسوم "الصوت الواحد" السابقة، وهم مصيبون في ذلك، بأنها "لا تهش ولا تنشّ"، أي أنها في جيب الحكومة، وإذا بهم الآن يفعلون فعلها، فيلتزمون علناً بتخليهم كأعضاء منتخبين عن الدور الرقابي للمجلس، وذلك بعد تعهدهم بتحصين رئيس الحكومة من المساءلة البرلمانية خلال الفصل التشريعي مهما بلغت فداحة المخالفات أو التجاوزات الدستورية، في مقابل بعض المكاسب الجزئية والمؤقتة التي لا تُحصّن المواطنة، لكنها قد تُعيد حقوق بعض المواطنين المظلومين الذين سُحبت شهادات جناسيهم أو أُسقطت أو تم فقدها لأسباب سياسية! أما مطالبة أعضاء جماعات الإسلام السياسي بعدم إعادة شهادات "الجناسي" المسحوبة أو التي أُسقطت أو فُقدت لأسباب سياسية إلا لمن ينتمون إلى طائفتهم فقط، فهو موقف آخر معيب حقاً وغير دستوري، بل يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان باعتباره إنساناً، إذ إنهم لا يقفون مع حق المواطنة بصرف النظر عن الهوية الفرعية لصاحبه!