أميركا والضريبة الحدودية الرديئة

نشر في 13-03-2017
آخر تحديث 13-03-2017 | 00:11
من شأن الضريبة الحدودية أن تعمل على تحويل ضريبة الدخل على الشركات في الولايات المتحدة إلى ضريبة على التدفقات النقدية، مما يعني ضمنا عواقب بعيدة المدى على قدرة الشركات على التنافس والربح.
 بروجيكت سنديكيت ربما تكون الولايات المتحدة الآن على وشك تنفيذ ضريبة تصحيح حدودية، وينظر الحزب الجمهوري الذي يسيطر الآن على السلطتين التشريعية والتنفيذية إلى هذه الضريبة- التي من شأنها أن تدعم فعليا المصدرين الأميركيين من خلال منحهم إعفاءات ضريبية في حين تعاقب الشركات الأميركية التي تستورد السلع- باعتبارها عنصرا مهما في إصلاح ضريبة الشركات، ويزعم الجمهوريون أنها كفيلة بتحسين الميزان التجاري الأميركي، في حين تعمل على تعزيز الإنتاج والاستثمار وتشغيل العمالة محليا. الحقيقة هي أن خطة الجمهوريين تنطوي على مشاكل معقدة، فمن شأن الضريبة الحدودية، جنبا إلى جنب مع إصلاحات أخرى مقترحة، أن تعمل على تحويل ضريبة الدخل على الشركات في الولايات المتحدة إلى ضريبة على التدفقات النقدية (مع تعديل الحدود)، مما يعني ضمنا عواقب بعيدة المدى على قدرة الشركات على التنافس والربح.

وستواجه بعض القطاعات أو الشركات- وخاصة تلك التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الواردات، مثل تجار التجزئة في الولايات المتحدة- زيادات حادة في التزاماتها الضريبية؛ وفي بعض الحالات قد تكون هذه الزيادات أكبر حتى من أرباحها قبل خصم الضريبة. وفي الوقت نفسه سوف تستمتع القطاعات أو الشركات المصدرة، كتلك في قطاع الصناعات التحويلية، بتخفيضات كبيرة في الأعباء الضريبية، ويبدو هذا التباعد ظالِما وغير مبرر.

وقد تخلف الضريبة الحدودية أيضا عواقب أخرى متصلة بالتوزيع، إذ تشير الدراسات إلى أنها قد تلحق القدر الأكبر من الضرر بالمستهلكين بين أقل 10% دخلا، ورغم هذا جرى الترويج لهذه الضريبة كوسيلة لموازنة التخفيضات الضريبية للشركات والتي يسعى الجمهوريون إلى فرضها أيضا، وهي التخفيضات التي قد تعود بالفائدة في نهاية المطاف على أولئك على قمة توزيع الدخل.

وما يزيد الطين بلة أن هذه الضريبة لن تحمي الشركات الأميركية من المنافسة الأجنبية في حقيقة الأمر، وتشير النظرية الاقتصادية من حيث المبدأ، إلى أن الضريبة الحدودية ربما تدفع قيمة الدولار إلى الارتفاع بنسبة تعادل الضريبة، وبالتالي إبطال تأثيرها على القدرة التنافسية النسبية للواردات والصادرات. وعلاوة على ذلك ستكون التأثيرات على الميزانية العمومية بفِعل ارتفاع قيمة الدولار كبيرة، ولأن أغلب الأصول الأجنبية التي يحتفظ بها مستثمرون أميركيون مقومة بعملات أجنبية، فإن قيمة تلك الأصول ربما تتقلص بنحو عِدة تريليونات من الدولارات في المجمل، وفي الوقت نفسه ستواجه الاقتصادات الناشئة المثقلة بالديون التزامات دولارية متضخمة، وهو ما قد يتسبب في أحداث ضائقة مالية وربما حتى أزمة مالية.

وحتى لو كان ارتفاع قيمة الدولار الأميركي أقل من الضريبة الحدودية، فإن تأثير الضريبة على الواردات على الأسعار المحلية يعني ارتفاعا مؤقتا ولكن لفترة ممتدة في معدل التضخم، وتشير بعض الدراسات إلى أن الضريبة الجديدة، في عامها الأول، ربما تدفع التضخم في الولايات المتحدة إلى الارتفاع بنحو 1% أو ربما أكثر من ذلك، وربما يستجيب بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي لمثل هذه الزيادة برفع أسعار الفائدة، وهو التحرك الذي قد يؤدي في نهاية المطاف إلى ارتفاع في أسعار الفائدة الطويلة الأجل وفرض المزيد من الضغوط الصعودية على سعر صرف الدولار.

وتتلخص مشكلة أخرى تتصل بالضريبة الحدودية في أنها قد تخلق اضطرابات واسعة النطاق في سلاسل الإمداد العالمية التي بني عليها قطاع الشركات في الولايات المتحدة على مدار العقود القليلة الماضية، ومن خلال تقويض قدرة الشركات على تعظيم كفاءة العمل وتخصيص رأس المال- القوة الدافعة وراء تحويل العمليات إلى الخارج- ستُفضي هذه الضريبة إلى ارتفاع تكاليف الضمان الاجتماعي بشكل كبير بالنسبة إلى الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي.

المشكلة الكبرى الأخيرة التي تتعلق بالضريبة الحدودية هي أنها تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية، التي تسمح بتعديل الضريبة الحدودية فقط على الضرائب غير المباشرة، مثل ضريبة القيمة المضافة لا على الضرائب المباشرة، كتلك المفروضة على دخل الشركات. وعلى هذا فربما تعتبر منظمة التجارة العالمية هذه الضريبة غير قانونية، وفي هذه الحالة قد تواجه الولايات المتحدة تدابير انتقامية ربما تعادل 400 مليار دولار سنويا إذا لم تلغ الضريبة، وهذا من شأنه أن يوجه ضربة خطيرة لنمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة والعالَم.

إلى أي مدى إذاً ربما يكون من المحتمل أن تستن الولايات المتحدة ضريبة التصحيح الحدودية؟ الواقع أن الاقتراح يحظى بدعم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب، ولكن عددا من الجمهوريين في مجلس الشيوخ من المرجح أن يصوتوا ضده، ومن المرجح أيضا أن يصوت الديمقراطيون في مجلسي الكونغرس ضد إصلاح ضريبة الشركات المقترح بالكامل، بما في ذلك ضريبة التصحيح الحدودية.

كما تنقسم السلطة التنفيذية أيضا بشأن هذه القضية، حيث يدعمها مستشارو الرئيس دونالد ترامب الأكثر ميلا إلى فرض تدابير الحماية في حين يعارضها مستشاروه الأكثر ميلا إلى النزعة الدولية، وقد أرسل ترامب ذاته إشارات مختلطة.

ويمتد الخلاف حول هذه الضريبة إلى عالَم الأعمال أيضا، حيث تدعمها الشركات التي تصدر أكثر مما تستورد، وتعارضها الشركات التي تستورد أكثر مما تصدر، أما عن عامة الناس فينبغي للأسر المنخفضة والمتوسطة الدخل أن تعارض الضريبة الحدودية، والتي من شأنها أن ترفع أسعار السلع المستوردة الرخيصة الآن والتي تستهلكها هذه المجموعات حاليا، وإن كان أنصار ترامب من العمال المتوسطين، وخاصة أولئك الذين يعملون في الصناعات التحويلية، ربما يؤيدون هذا التدبير.

في نهاية المطاف، تظل الحجة للضريبة الحدودية ضعيفة نسبيا، بل أضعف كثيرا من الحجة التي ضدها، ورغم أن هذا قد يكون كافيا لضمان عدم إجازتها، فهناك قوة عاتية تميل باتجاه تدابير الحماية في حكومة الولايات المتحدة وتدفع بقوة في اتجاهها هي وغيرها من السياسات المماثلة، وحتى إذا رُفِضَت هذه الضريبة فسيظل خطر اندلاع حرب تجارية عالمية مدمرة تشعل شرارتها إدارة ترامب يلوح كبيرا في الأفق.

* نورييل روبيني | Nouriel Roubini ، الرئيس التنفيذي لمؤسسة روبيني ماكرو أسوشيتس، وأستاذ الاقتصاد في كلية شتيرن لإدارة الأعمال في جامعة نيويورك.

«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع »الجريدة»

back to top