صنّعت قوات «داعش» الأجهزة المتفجِّرة ونشرتها في ساحات القتال على نطاق شبه صناعي. هكذا شكّلت القنابل المبتكرة، التي أودت بحياة ضحايا مدنيين وعسكريين كثيرين، خطراً هدّد العمليات البرية ضدّ مواقع التنظيم وأخّرها كثيراً، معيقاً في الوقت عينه عودة المهاجرين الآمنة.

بناء عليه، تحوّلت الأجهزة المتفجّرة المبتكرة، التي تُصنع من مواد قليلة الكلفة ومتوافرة بكثرة، إلى سلاح قوات «داعش» المميِّز. لكن سلاسل إمدادها تختلف عن سلاسل إمداد الأسلحة العسكرية. تشكّل مكونات الأجهزة في معظمها سلعاً تجارية لا تخضع لتراخيص تصريح من الحكومات ولا يتعرّض نقلها للتدقيق والضبط عينهما كما نقل الأسلحة.

Ad

خلال فترة 20 شهراً، من يوليو 2014 إلى فبراير 2016، تفحّصت فرق منظمة «أبحاث تسليح النزاعات الميدانية» في العراق وسورية أكثر من 700 مكون استخدمتها قوات «داعش» في تصنيع أجهزة متفجّرة مبتكرة، وحدّدت مصدرها، وتتبّعت تسلسل عهدتها. صحيح أن التقرير يركّز على مصدر إمدادات المواد المصادرة من قوات «داعش»، إلا أن لا أدلة تشير فيها منظمة «أبحاث تسليح النزاعات» بأي شكل من الأشكال إلى نقل الدول والشركات الوارد ذكرها في التقرير هذه السلع مباشرةً إلى قوات «داعش».

تُجري تحقيقات المنظمة مسحاً لتجارة هذه المكونات الشرعية في المنطقة، ويبدو في الحالات المحددة كافة أن المنتجين باعوها بطريقة مشروعة إلى شركات تجارة وتوزيع محلية، عمدت بدورها إلى بيعها إلى كيانات تجارية أصغر حجماً. وبالسماح لأفراد أو مجموعات تابعين لقوات «داعش» بالحصول على المكونات المستخدَمة في الأجهزة المتفجرة المبتكرة، يبدو أن هذه الكيانات الصغيرة تشكّل أضعف حلقة في تسلسل العهدة.

إذاً، يُعتبر التركيز على السلع التي تُباع بطريقة مشروعة أمراً بالغ الأهمية بغية فهم تغذية قوات «داعش» عملية تصنيعها الواسعة للأجهزة المتفجرة المبتكرة.

لا تخضع مكونات كثيرة يمكن استعمالها في إعداد متفجرات منزلية الصنع، كمعجون الألمنيوم واليوريا (البولة)، لضوابط النقل، كترخيص التصدير. نتيجة لذلك، لا يتّبع إمدادها داخل المنطقة تنظيماً يُذكر، فضلاً عن أن مراقبتها محدودة. صحيح أن مكونات أخرى، كالصواعق وحبال التفجير، تخضع لتراخيص تصدير، إلا أنها تُستعمل كثيراً في نشاطات تجارية، كما في قطاعَي الصناعة والتعدين. لذلك لا يشكّل الترخيص وحده رادعاً كافياً يحول دون حصول قوات «داعش» على هذه المواد. من المفترض أن يشمل التقرير أيضاً التحقيق في مكونات مدنية، كالهواتف الجوالة وأسلاك الاتصالات اللاسلكية، لأن إمدادها يمثل «مؤشراً» يسهِّل فهم كيفية الحصول على الشبكات التي تستخدمها قوات «داعش».

لا عجب في أن شبكات حصول «داعش» على المواد تعتمد إلى حد كبير على التجارة المشروعة في الدول التي تحدّ منطقة التنظيم. نتيجة لذلك، يشكّل القرب أبرز سبب لظهور السلع التي تروّج لها الشركات العراقية والتركية في مختلف أجزاء سلاسل إمداد المكونات التي تستخدمها قوات «داعش» لتصنيع الأجهزة المتفجرة المبتكرة.

في العراق وتركيا قطاعا زراعة وتعدين كبيران يُستعمل فيهما الكثير من هذه المواد الكيماوية والمكونات المتفجرة بشكل واسع. في الوقت عينه، يبدو أن عدداً كبيراً من المؤسسات التجارية الصغيرة باع عن عمد أو غير قصد مكونات إلى أطراف ترتبط بقوات «داعش» أو تستخدمها الأخيرة.

لعل الاكتشاف الأكثر أهمية في التقرير السرعة التي تتمكّن فيها قوات «داعش» من الحصول على مكونات الأجهزة المتفجّرة المبتكرة. ويعكس ظهور الأخيرة في عهدة «داعش» بعد شهر فقط من إمدادها المشروع لكيانات تجارية في المنطقة مدى غياب مراقبة الحكومات الوطنية والشركات على حد سواء. كذلك ربما يشير هذا الواقع إلى نقص الوعي المحيط باحتمال استعمال قوات إرهابية ومتمرّدة هذه المكونات في السوق المدنية.

تساهم الأدلة الواردة في التقرير، على أقل تقدير، في تسليط الضوء على النُذر الكيماوية والمكونات التي تستعملها قوات «داعش» باستمرار في عمليات بناء الأجهزة المتفجرة المبتكرة.

تواصل منظمة «أبحاث تسليح النزاعات» التحقيق في إمداد كثير من العناصر، التي يتناولها التقرير، وتوثيق مكونات الأجهزة المتفجرة المبتكرة المصادرة من قوات داعش.

50 شركة و20 دولة

حدّدت «أبحاث تسليح النزاعات» 50 كياناً تجارياً و20 دولة تشملها سلسلة إمداد المكونات التي تستخدمها قوات «داعش» في صناعة الأجهزة المتفجّرة المبتكرة. أنتجت هذه الشركات أو باعت أو تلقّت مواد مهمة، كنُذر كيماوية، وحبال تفجير، وصواعق، وأسلاك، ومركبات إلكترونية أخرى.

تركيا

من بين 13 شركة تشملها سلسلة الإمداد، تشكّل تركيا المعبر الأكثر أهمية للمكونات التي تستخدمها قوات «داعش» في تصنيع الأجهزة المتفجرة المبتكرة. تشمل هذه المكونات نُذراً كيماوية، وحاويات، وحبال تفجير، وأسلاكاً تصنّعها شركات تركية أو تُباع في تركيا قبل حصول قوات «داعش» عليها في العراق أو سورية.

عملاء

من بين 13 شركة تركية حُددت، تشكّل ثماني شركاتٍ وسيطة تعيد تحويل مكونات تُصنَّع في البرازيل، والصين، والهند، وهولندا، ورومانيا، وروسيا الفدرالية. تزوِّد هذه الشركات السوق التركية بالسلع، ولا يصدِّر معظمها البضائع إلى العراق أو سورية. وتشير الأدلة التي جمعتها منظمة «أبحاث تسليح النزاعات» إلى أن قوات «داعش» أو وسطاء يعملون لصالحها يحصلون على المواد في تركيا وينقلونها بعد ذلك إلى العراق وسورية.

الهند

صنّعت سبع شركات هندية معظم الصواعق، وحبال التفجير، وصمامات الأمان التي وثّقتها فرق استقصاء «أبحاث تسليح النزاعات» الميدانية. ويتطلّب نقل هذه المواد بموجب القانون الهندي ترخيصاً، وصُدّرت المكونات كافة التي وثقتها المنظمة بطريقة شرعية وفق تراخيص صادرة عن الحكومة الهندية إلى كيانات في لبنان وتركيا.

اليابان وسويسرا وأميركا

دأبت قوات «داعش» على استخدام المكونات الإلكترونية ذاتها في صنع نوع واحد من الأجهزة المتفجّرة المبتكرة التي يجري التحكم فيها عن بعد والتي استُعملت في العراق. تُصنّع شركات تتخذ من اليابان، وسويسرا، والولايات المتحدة الأميركية مقراً لها أجهزة التحكم الصغيرة، ووصلات الإشارات، والترانزستورات المستخدمة في هذه الأجهزة.

الهواتف الجوالة

تستخدم قوات «داعش» في العراق هاتف «نوكيا» الجوال من طراز 105 ونمط RM-908 في تصنيع نوع محدد من الأجهزة المتفجرة المبتكرة يجري التحكم فيه عن بعد. ومن بين 10 هواتف مماثلة صودرت من قوات «داعش» ووثقتها منظمة «أبحاث تسليح النزاعات»، زُوِّدت ثمانية إلى وسطاء في الإمارات العربية المتحدة (حيث لا تزال تحقيقات المنظمة مستمرة)، في حين أُرسل اثنان آخران إلى موزعين في مدينة إربيل في كردستان العراق.

تسلسل عهدة قصير

تشير أدلة جمعتها فرق استقصاء «أبحاث تسليح النزاعات» الميدانية والوثائق التي حصلت عليها المنظمة من خلال طلبات تتبُّع رسمية إلى أن قوات «داعش» حصلت على مكونات كثيرة بعد فترة وجيزة من نقلها بطريقة شرعية إلى الموزعين والمستهلكين. وفي بعض الحالات، غطّى تسلسل العهدة من حصول المستهلك على السلعة إلى استخدامها من قوات داعش فترة بالغة القصر (من شهر إلى 6 ستة أشهر).