في معرض إجابته عن سؤال برلماني رد وزير المالية بكل وضوح بأن الضرائب آتية في القريب العاجل، وهذا تأكيد على كلام الوزير قبل أشهر بأن الموس سيمر على كل الرؤوس!لكن إجابة السيد وزير المالية استثنت من ذلك بعض الرؤوس وخاصة الكبيرة، فالضرائب التي اعتمدتها الحكومة وستتقدم بها كمشروع قانون هي "الضريبة على القيمة المضافة"، وهذه الضريبة تعرف بأنها القيمة التي تتم إضافتها على السلع والخدمات في كل مرحلة من مراحل الإنتاج والتداول السلعي أو عند تأدية الخدمات، أو الفرق بين سعر تكلفة المنتج وسعره الاستهلاكي النهائي، وهذه الضريبة هي الأحدث عالمياً، حيث بدأ تطبيقها في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، ويمكن تسميتها بالضرائب الذكية لأنها لا تفرض من الحكومة مباشرة على الناس، وإنما تقوم الشركات والمؤسسات التي تقدم خدماتها السلعية بجبايتها نيابة عن الحكومة حتى باتت تعرف بالضرائب غير المباشرة. هذه الضريبة ذكية ولكنها خبيثة في الوقت نفسه، فهي ليست ضريبة مباشرة على المبيعات لكنها ضريبة شاملة على الإنفاق العام في الدولة، ولا يشعر بها المستهلك بشكل مباشر مثل ضريبة المبيعات، حيث يدفع مبلغاً إضافياً يحسب أمامه عند صندوق الدفع، إنما يدفعها كجزء من قيمة السلعة أو الخدمة لذا يشعر بها كزيادة في الأسعار، وهذه الضريبة هي الأسهل والأكثر فائدة للحكومات كمصدر لإيراداتها المالية ودون عناء في التفكير بإيجاد مصادر حقيقية للإيراد وتنويع الدخل كالمشاريع التشغيلية والابتكار الفني والإداري والاستثمار الحقيقي للإنسان والموارد الطبيعية.
هذا الحل السهل تسعى إليه الدولة لتغطية العجز الناجم عن انخفاض سعر النفط الذي يبدو أنه سيستمر لفترة قادمة، وخصوصاً أن الحكومة أعلنت، كما بعض دول مجلس التعاون الخليجي، استراتيجيتها لعام 2035، والضحية الأولى لمثل هذه الضريبة هي المواطن البسيط لأن القيمة المضافة لا تفرق بين الغني والفقير، ولا تراعي فئات ذوي الدخل المحدود التي تمثل الغالبية العظمى من المواطنين، كما أن المتضرر الرئيس الآخر هم الشركات الصغيرة والمشاريع المبتدئة، حيث يستثني القانون عادة الشركات العملاقة والكبيرة تحت مبرر أنها تمثل عصب الاقتصاد مثل البنوك والشركات المالية ومكاتب العقار علماً أن هذه القطاعات تستحوذ على النسبة الأعلى من الأنشطة التجارية وهي الأكثر دخلاً والأوسع في جني الموارد المالية!الطامة الكبرى في إجابة السيد وزير المالية أن الحكومة لا تملك إلى الآن أي قاعدة للبيانات التفصيلية عن أعداد الكويتيين وتصنيفهم بحسب متوسطات الدخل، وبالتأكيد فإن هذه المعلومات لن تتوافر حتى في المستقبل لسبب بسيط وهو عدم وجود إقرارات ضريبية أو نظام عام لضريبة الدخل، حتى في حال إقرار قانون ضريبة القيمة المضافة الجديد، وهذا بحد ذاته كفيل بعدم كشف المستور أو المطالبة بتشريع قانون مثل الضريبة على صافي أرباح الشركات الكبيرة. آخر تقدير لمنظمة الشفافية والذي تحتل الكويت فيه مركزاً متقدماً في مؤشرات الفساد يفصح عن وجود 10% من إيرادات الدول الفاسدة تهدر سنوياً فقط في الرشا، وبدلاً من مواجهة مثل هذه الصور المخزية لا تتجرأ حكومتنا إلا في ملاحقة رؤوس المواطنين "الغلابة" بموس الضرائب، فهل استوعبتم الدرس يا نواب الأمة؟!
مقالات
موس الحكومة على رؤوس «الغلابة»!
14-03-2017