لم يطل ردّ مديرية الآثار في لبنان على الحملة ضدها في شأن ترميم هياكل بعلبك الأثرية، فأصدرت بياناً أوضحت فيه الحقائق كاملة والمغالطات التي تروّجها جهات غير متخصصة من دون القيام ببحث علمي، حسب تعبيرها، مؤكدة أن الحملات غير المبررة التي يتعرّض لها المشروع ربما تتسبب في إبعاد اهتمام الجهات المانحة بتمويل مشاريع مستقبلية في مدينة بعلبك التاريخية، وتأخير تنفيذ مشاريع مهمة لإنماء المقومات الاقتصادية والتراثية لهذه المدينة من دون وجه حق، راجية المهتمين من المجتمع المدني ووسائل الإعلام المختلفة مراجعتها بشأن أي توضيح أو تفصيل تقني يتعلّق بهذه المشاريع.

كشف البيان أن بعلبك تعاني اقتصاداً راكداً مع موقعها الأثري الذي يعتبر أحد أكبر مواقع التراث العالمي في لبنان وتدهوراً في معالمه، من هنا يركز مشروع الإرث الثقافي على تحسين حالة الأماكن العامة والبنية التحتية الثقافية والسياحية للمدينة لتعزيز نشاطها الاقتصادي وتحسين نوعية حياة السكان فيها.

Ad

يضيف البيان أن المشروع بدأ عام 2005 لصالح بلدية بعلبك في المناطق التاريخية المحيطة بالموقع الأثري، بتمويل من البنك الدولي، فتم حينها تأهيل مداخل المدينة، وساحاتها ومنها ساحة خليل مطران، وساحة القلعة، والشوارع الرئيسة في وسط المدينة التاريخي، بالإضافة إلى البنية التحتية والأرصفة والطرق وإنارة الشوارع. كذلك أنشئت مواقف عامة للسيارات.

يتابع البيان: «في وقت لاحق، أُطلق مشروع بعلبك وصور الأثري (BTAP)، الهادف إلى تحسين إدارة الموقع، لاستعادة أهمية المعالم الأثرية وإبراز القيمة الاستثنائية للموقع، من خلال إنشاء دروب السياح ابتداء من الموقع الأثري وانتهاء في المدينة التاريخية. ونُفِّذ المشروع على مرحلتين: الأولى بتمويل من البنك الدولي، والثانية بتمويل من وكالة التعاون والتنمية الإيطالية».

كذلك يشير البيان إلى أنه خلال المرحلة الأولى التي بدأت في 2010، تم تأهيل محيط الموقع بالتنسيق مع بلدية بعلبك بما في ذلك الطرق المحيطة بمعبد فينوس، من بينها طريق للمشاة معبدة بحجارة البازلت الطبيعية، بالإضافة إلى البنية التحتية والإنارة العامة وتجهيز هذه المساحات الجديدة بالأرصفة وتصاوين للموقع. أستكملت حينها أيضاً تجهيزات الموقع المديرية العامة للآثار منها استبدال مبنى المحول والمولد الكهربائي بغية إبعاده عن المنشآت الأثرية، بالإضافة إلى استحداث مركز للشرطة، ومبنى لتخزين اللقى الأثرية، وإعادة تأهيل بيت ناصيف لتحويله إلى مبنى لاستقبال السياح ومكاتب للمديرية العامة للآثار».

يوضح أنه في عام 2015، بتمويل من البنك الدولي، بدأت أشغال مشروع الحفاظ والترميم للمعابد والإنشاءات الأثرية التي عانت التدهور خلال حقبات الحرب اللبنانية. وشملت الأشغال مدخل المعابد، وعقود الساحة السداسية، وباحة معبد جوبيتر، ومعبد باخوس، ومعبد فينوس، وبرج العربي الأيوبي. يُشار إلى أن المديرية العامة للآثار في لبنان هي الجهة الرسمية المسؤولة عن صيانة الموقع، وعن إعطاء المعلومات العلمية عنه.

معبد باخوس

تعرّض معبد باخوس عبر الزمن للأمطار والثلوج والجليد من دون حماية، ما تسبب بتدهوره وتآكل واجهاته الحجرية المنحوتة. وكان ذلك ورد في تقارير «اليونسكو» التي أشارت إلى الوضع المزري للمعبد. إزاء ذلك، أجرت المديرية العامة للآثار، خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، دراسات شاملة لمعالجة الأمر بالتنسيق مع مجلس الإنماء والإعمار والجهات المانحة واليونسكو، وضمّ فريق الدراسة خبراء ومهندسين معماريين مرممين، وعلماء آثار من جنسيات مختلفة لبنانية وإيطالية وفرنسية، بالإضافة إلى استشارة الفريق الألماني العامل في بعلبك والذي ساهم في إقامة متاحف توجيهية داخل الموقع الأثري.

يشير البيان الصادر عن المديرية العامة للآثار في هذا المجال إلى أن الموقع مدرج على لائحة التراث العلمي، لذا وقّع مجلس الإنماء والإعمار عقداً مع مكتب بيروت لليونسكو، قيّم على أساسه فريق متخصص من المجلس الدولي للآثار والمواقع التاريخية (ICOMOS) الأشغال لتحسين تنفيذها.

يؤكد البيان أن الأعمال في معبد باخوس تهدف إلى علاج أسباب المشاكل في المرحلة الأولى، ولهذه الغاية، شيّد سقف يضمن تصريف مياه الأمطار والثلوج من خلال مزاريب إلى خارج نطاق المعبد. وبذلك لم تعد المياه تخترق سماكة الجدران، وتتسبب بتفتت الحجارة بسبب الجليد.

وفي مرحلة ثانية، شُخِّص أكثر من 20 مرضاً مختلفاً تعانيها حجارة الواجهات، ومن أفتكها طبقة سوداء سببّها التلوث أدَّت إلى تآكل الحجارة المنحوتة تحتها وتحولها إلى رماد أبيض. حُدِّد هذا المرض في معبدي باخوس (طبقة سوداء تصل إلى 1مم) وفينوس (طبقة سوداء تصل إلى 5 مم). وفي الحالتين، لم يكن تنظيف واجهات المعبد بالطرائق التقليدية بالمياه فقط أو الإبقاء على الحالة الراهنة لوقف هذا التآكل كافياً. لذا طُبقت تقنية التنظيف بالليزر لمراعاة الوضع المتدهور للحجارة المتآكلة. وبعد الانتهاء من إزالة الطبقة السوداء، عزّزت مكونات الحجارة المنحوتة بالسبل المعتمدة عالمياً في هذا السياق. يُشار إلى أن توثيق هذه الأعمال في مراحلها كافة جاء وفقاً للأصول، وذلك لإتاحة المجال للخبراء المعتمدين لإبداء الرأي الفني.

المرحلة الثانية

يؤكد بيان مديرية الآثار في لبنان أنه في العام الجاري، وبعد استكمال مشروع ترميم هياكل بعلبك الأثرية بتمويل من البنك الدولي، تنطلق المرحلة الثانية من مشروع الـ BTAP بتمويل من وكالة التعاون والتنمية الإيطالية. وتشمل هذه المرحلة أشغال مسارات السيّاح داخل الموقع الأثري، وتجهيز بيت ناصيف ليصبح مدخل الموقع الأثري، وإنشاء لوحات تفسيرية، وعرض متحفي في عدد من الأماكن داخل الموقع، بالإضافة إلى أشغال حفاظ وترميم معبد جوبتر، سبقتها مرحلة التأكد من الحالة الإنشائية لوضع الأعمدة الستة المدعمة بالخرسانة المسلحة منذ عام 1933.