نبش الرئيس التركي رجب طيب إردوغان صفحات التاريخ أمس في أحدث تصعيد منه تجاه هولندا التي منعت وزراء أتراكا من عقد لقاءات داعمة لتوسيع صلاحياته على أراضيها، متهما هولنديين بالاشتراك في مجزرة سربرنيتسا التي قامت بها وحدات بالجيش الصربي وكان ضحاياها 8000 مسلم في البوسنة عام 1995.

واتهم إردوغان، في مؤتمر بمناسبة عيد الأطباء في تركيا بمقر رئاسة الجمهورية التركية بالعاصمة أنقرة، الدول الغربية بـ"العداء للإسلام"، قائلا إنهم "يوقفون اللاجئين على الحدود، ويمارسون عليهم ضغوطات لا إنسانية، ودول الغرب تترك الميدان للفاشيين وأعداء الأجانب".

Ad

ولفت إلى أن "الفاشية الأوروبية التي بدأت تهاجم الإسلام والمسلمين في أوروبا تعني كل المسلمين في العالم".

ودعا "الأتراك وكل المسلمين" في هولندا إلى عدم انتخاب أي من الحزب "الشعبي الليبرالي الديمقراطي" الحاكم بزعامة رئيس الوزراء مارك روتي وحزب "الحرية" اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز المناهض للإسلام.

واعتبر الرئيس التركي أن التصويت بـ"نعم" في الاستفتاء المرتقب أبريل المقبل حول توسيع صلاحياته يشكل "أفضل رد على أعداء تركيا"، متهما هولندا بممارسة "إرهاب دولة". وحذر من إجراءات إضافية ضدها بعدما قطعت أنقرة أمس الأول كل الاتصالات الرفيعة المستوى معها وأبقت على رفضها عودة السفير الهولندي.

وأضاف أن "هذه الأخطاء لن تحل بمجرد اعتذار".

وتقدر أعداد الجالية التركية في أوروبا بأكثر من 4 ملايين شخص من بينهم 2.5 مليون لهم حق التصويت في تركيا.

تشدد

وأبدت تركيا أمس تشدداً في موقفها واتهمت الاتحاد الأوروبي بالتحيز في قضية منع تجمعات مؤيدة لإردوغان في عدد من المدن الأوروبية.

وبعد أن ركزت تركيا هجماتها على هولندا، نددت بالمسؤولين الأوروبيين الذين أعلنوا التضامن مع امستردام إزاء اتهامات "النازية" و"الفاشية" التي وجهها إردوغان.

ونددت وزارة الخارجية التركية أمس بتحذير "الاتحاد الأوروبي" لها ودعوتها إلى "تجنب التصريحات المبالغ فيها" في أزمتها الدبلوماسية مع هولندا.

واعتبرت الوزارة أن "التصريح غير المدروس للاتحاد لا قيمة له". وأبدت الأسف بأنه كان موجها إلى أنقرة، و"ليس إلى الدول التي تتحمل مسؤولية الوضع الحالي وانتهاك المعاهدات الدولية" من خلال منع مشاركة وزراء أتراك في تجمعات على أراضيها.

وكان الاتحاد الأوروبي قد دعا أنقرة، أمس الأول، إلى "تجنب أي تصريحات مبالغ فيها وأفعال من شأنها تصعيد الوضع"، وذلك في بيان وقعته وزيرة خارجية الاتحاد فيدريكا موغيريني والمفوض الأوروبي لشؤون التوسيع يوهانس هان.

ورغم أن عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد لا تزال عالقة، لكن أنقرة تبقى شريكا لا يمكن الاستغناء عنه، خصوصا في إطار مكافحة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.

هجوم وإعراض

وفي وقت سابق، شن إردوغان مساء أمس الأول هجوما لاذعا على ألمانيا التي عبرت مستشارتها انجيلا ميركل عن التضامن مع رئيس الوزراء الهولندي، واستعاد اتهاماته بالممارسات "النازية" والتي وجهها للمرة الأولى في 5 مارس الجاري بعد إلغاء عدة مدن ألمانية لتجمعات مؤيدة لتوسيع صلاحيات إردوغان في استفتاء تجريه تركيا في 16 أبريل المقبل.

ووجه إردوغان انتقادات شخصية إلى ميركل واتهمها بدعم الإرهابيين. إذ تقول تركيا، إن ألمانيا تؤوي ناشطين مؤيدين لحزب "العمال الكردستاني"، ومشتبها فيهم في محاولة الانقلاب التي شهدتها البلاد في 15 يوليو الماضي.

في المقابل، اعتبرت ميركل أن تصريحات إردوغان "سخيفة"، وقال المتحدث باسمها شتيفن سايبرت، إن "المستشارة الألمانية لا تنوي المشاركة في سباق الاستفزازات، ولن تفعل ذلك، والاتهامات الموجهة لحكومتها غير مقبولة بوضوح".

عقوبات ومطالب

وبعد أن لوحت السلطات التركية طوال ثلاثة أيام بـ"فرض عقوبات" على هولندا، أعلنت مساء أمس الأول اتخاذ سلسلة من العقوبات الدبلوماسية ضدها.

وشدد نائب رئيس الوزراء التركي نعمان كورتولموش على أن أنقرة تريد تحقيقا في الأحداث التي شهدتها الأيام الاخيرة، من بينها اللجوء إلى الشرطة الخيالة والكلاب المدربة لفرض الأمن بعد تظاهرة أمام القنصلية التركية في روتردام وسط هولندا.

تزوير وانتخابات

ولاحقاً، ندد رئيس الوزراء الهولندي بتصريحات إردوغان حول مجزرة "سريبرينيتسا" واعتبرها "تزويرا بغيضا للتاريخ".

وقال روتي "إنه يواصل تصعيد الوضع، لن ننزل إلى هذا المستوى. هذا أمر غير مقبول على الإطلاق".

الجدير بالذكر أن قوات هولندية كانت عاملة ضمن قوة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة لم تتمكن من منع وقوع المجزرة التي وصفت بأنها أسوأ جريمة على الأراضي الاوروبية منذ الحرب العالمية الثانية.

وجاء التصعيد التركي قبل يوم من الانتخابات التشريعية الهولندية التي تجرى اليوم، حيث تتوقع استطلاعات الرأي أن يحل حزب النائب المعادي للإسلام خيرت فيلدرز فيها في المرتبة الثانية.

في هذه الأثناء، دعت الولايات المتحدة وإيطاليا تركيا وهولندا إلى الهدوء، وحضت واشنطن حليفتيها على حل الأزمة الدبلوماسية بينهما وتجنب المزيد من التصعيد. دون أن تأخذ موقفا مؤيدا لتركيا أو لهولندا.

قلق إسلامي

في سياق آخر، أعربت منظمة التعاون الإسلامي أمس عن قلقها البالغ إزاء التصريحات المعادية للإسلام والمهاجرين من السياسي الهولندي خيرت فيلدرز المعادي للإسلام خلال حملته الانتخابية.

وقالت المنظمة في بيان إن "تشجيع التعصب ضد المجتمعات الإسلامية وكراهية الأجانب عبر نشر الخوف والكراهية أدى إلى رد فعل عنيف ضد المهاجرين وأنعش الخطابات الراديكالية التي تتبناها الجماعات الإرهابية".

وأكدت المنظمة أن تلك التصريحات تتعارض مع الجهود العالمية المبذولة من أجل تعزيز الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان لتحسين العلاقات داخل المجتمعات وفيما بينها.

ودعت جميع القادة السياسيين من "علمانيين ودينيين" إلى التعاون وتكثيف جهودهم لتعزيز التعايش السلمي والحوار والتفاهم المتبادل.