بدأت أشك في نوايا برامج «التوك شو»، التي تُخصص حلقات للترويج لأفلام بعينها، تستضيف خلالها أبطالها وفنييها، وتُفرط في الإشادة بسحرها، وجمال صنعتها. وعندما تقودني قدماي لمشاهدتها في صالات العرض التجارية، يصدمني سوء ما آلت إليه من نتائج، وأقارن ما رأيته في تلك البرامج بما كنت أتوقعه، فأدرك أن ثمة عملية «غسيل مخ» تعرضنا لها، كجمهور، وأن هذه البرامج مارست دوراً دعائياً فجاً، لحساب الشركات الإنتاجية، بعدما نالت نصيبها من موازنة الدعاية!

«يا تهدي يا تعدي» أحد الأفلام التي روِّج لها بوصفها فتحاً في السينما الكوميدية المصرية، وجرت محاولات مستميتة لتصعيد أبطالها، كنجوم جدد سيتربعون على العرش عن قريب، في حين أن ما شاهدناه على أرض الواقع لا ينبئ بأي من هذا.

Ad

الافتعال والمبالغة سمتا الفيلم الذي تغيب عنه التلقائية، ويغلب عليه التصنّع، خصوصاً في ما يتعلق بأداء ممثليه، والمواقف الدرامية التي تعاني خللاً وارتباكاً، منذ المشهد الأول الذي نتابع فيه البطلة «هند» (آيتن عامر)، وهي تهرول بفستان الزفاف للحاق بأمها (عايدة رياض)، التي قيل إنها سقطت ميتة، قبل أن يتبين أنها إشاعة رخيصة، لكنها تسببت في إلغاء زواجها من الشاب الذي رحل إلى إيطاليا، في هجرة غير شرعية، رغم أن السيناريو يكذب نفسه بالقول إنه تزوّج إيطالية طمعاً في مالها وتصريح الإقامة في بلدها!

على هذا النسق الفج، يأتي لقاء الفتاة والمحامي «هاني» (محمد شاهين)، الذي يُبرم اتفاقاً ومدرِّسة تعليم قيادة السيارات، التي تعمل فيها الفتاة، ويملكها خالها «حمادة» (إدوارد)، لتعليم أمه المتغطرسة «ثريا» (سلوى خطاب) القيادة. ومنذ اللحظة الأولى نتيقن أن الحب سيجمع بين قلبيهما، رغم فارق المستوى المادي والاجتماعي، ورغم محاولات الأم المتعالية للإيقاع بين ابنها والفتاة، بحجة أنهما من عالمين لا يلتقيان، فيما بدا الأمر وكأن ثمة ثأراً دفيناً يحركها تجاهها!

بالطبع، تتيح وظيفة الفتاة، كمدربة قيادة، الفرصة لها لاستعراض نماذج اجتماعية عدة، كالمربية التعليمية (وفاء عامر) التي تقطر وطنية بفجاجة، و«سلوى» (بدرية طلبة) المرأة المغلوبة على أمرها التي تنطق بالحكمة، من دون مبرر، وفتاة الهوى «نوجه» (ولاء الشريف)، التي تُعيد إلى الأذهان الصورة التقليدية لفتاة الليل، التي اضطرتها الظروف إلى الانحراف، فضلاً عن المحامي الشاب «هاني»، الذي محت أمه «الديكتاتورة» شخصيته. لكنها شخصيات هشّة تفتقر إلى العمق، والأرضية، مكتوبة على عجل وسطحية، ومن ثم افتقدت إلى التعاطف، ولم تترك في الوجدان أثراً يُذكر. وجاءت المواقف الكوميدية لتزيد الهوة، وتُعمق الخلل، نتيجة لحداثة تجربة البطلة آيتن عامر في مجال الكوميديا، وضياع الشعرة الرقيقة بين التلقائية والمبالغة، وميلها إلى الصراخ والزعيق، ووقوعها، والسيناريو الذي كتبه أحمد عزت، في فخ التكلّف، والرغبة في استدرار الضحكات بواسطة مسوخ بشرية، كالساعي في مدرسة القيادة الذي أريد به استنساخ الممثل «الأخنف» طاهر أبو ليلة!

حاول المخرج خالد الحلفاوي بدوره إنقاذ الموقف، عبر إضفاء جرعة من النقد السياسي، من خلال التعرض لأزمة السكر (زادت قيمته وندر وجوده وأصبح أقرب إلى الهيروين)، وانفلات الشارع المصري (بلطجة سائقي الميكروباصات) وتسريب الامتحانات، التي تهدّد العملية التعليمية، بالإضافة إلى فضح تناقض وازدواجية رجال الدين (شخصية الشيخ خيري)، والصورة الهزلية لضابط الأمن القومي («العقرب» إسماعيل فرغلي) قليل الحيلة والبديهة. لكن السيناريو الضعيف أجهض المحاولة، بعدما سادت اللعثمة وتفشى الارتباك، وطغى الحوار المصنوع، وردود الفعل الممجوجة، وسيطرت الانقلابات السلوكية غير المبررة (الأم المتعالية التي تناصب الفتاة العداء تعود فجأة إلى رشدها وترضى بها زوجة لابنها)!

فيلم «يا تهدي يا تعدي» أخفق في صناعة «ممثلة كوميدية» بالطريقة التي أرادتها الشركة المنتجة، وفشلت مساعي المخرج خالد الحلفاوي، الذي أثنينا على تجاربه القليلة السابقة، في الحفاظ على قوام التجربة، رغم اجتهاده في صنع صورة رائقة (مدير التصوير محمد عز العرب) وتوظيف الناي والكمان والبيانو لتكثيف حالة رائعة امتزج فيها الشجن والرومانسية (موسيقى تامر عطا الله)، واستعانته بضيف شرف له جماهيريته (محمد رجب). لكن الحالة العامة للفيلم لم تكتمل، وبدا وكأن الصنعة أفسدت المشاعر، والأداء معاً، بدليل التراجع المخيف، والظهور الباهت، للممثل الواعد محمد عادل، والكوميديا الغليظة التي تسترت عليها الشاشة الصغيرة... وفضحتها الشاشة الكبيرة!