هيئة الترفيه: طفلة لحماية الطفولة!
إحدى فضائل الفن، أنه يبقي طفولة قلوبنا طرية، عصية على اليباس والظمأ، دون أن تقف عائقاً في وجه عقولنا في المضي نحو شيخوختها بسلام، طفولة قلوبنا هي الوقود الذي يبقي مدفأة الحياة في أرواحنا مشتعلة لئلا تشعر مرايا الجمال فيها بالبرد، فالمرايا التي تتشح بالرماد ليست برهاناً إلا على أن شعلة كانت تدفئها قد انطفأت ومات نورها، والمخيف أن لمشاعل الأرواح المطفأة رائحة الجثث، لذا فإن طفولة قلوبنا تحمي أرواحنا من رائحة العفن، تجعل الحياة في مشاعل أرواحنا على قيد الحياة، فتنعكس ملامح وجهها على مرايا أروحنا كما هي دون زيف يرسمه لنا خيالنا أو وهمنا، تملؤنا ابتسامتها بالينابيع والرياض، ونتقي عبوسها بتعاويذ الأمل، ونصبح أكثر إدراكاً لضرورة خلق جسور للتصالح معها بدل أن نسعى جاهدين إلى هدمها، طالما أننا وهي عابرون في زمن عابر. طفولة قلوبنا، هي التي تجعلنا نرى تلك الجسور، تمكننا من رؤية هدايا الحياة الصغيرة فنلتقطها فرحة كما يفعل الأطفال بقطعة حلوى، تصبح ردود أفعالنا تجاه سلوك الحياة أكثر ليناً، لأننا لن نفترض أن ما تفعله الحياة معنا ناتج عن عدائية مضمرة بيننا وبينها، ولن نسيء النوايا، سنصبح أكثر رغبة للبحث عن السلام معها، واستعداداً لأن تصبح كل لحظة جميلة بيننا وبينها عيداً، ترتدي فيه قلوبنا ثياباً جديدة غير تلك ترتديها في لحظاتها العادية، وسترقص طفولتها وتنشد الأهازيج احتفاء بتلك اللحظة، وستستدرج بحركاتها الطفولية ابتسامة عقولنا الجادة الوقورة، فتضفي على جديتها شيئاً من الحنان لتصبح أكثر جمالاً، طفولة قلوبنا هي التي تجعلنا على تواصل مع الحياة، والقادرة على خلق لغة مشتركة بيننا وبينها، نبارك لها حين تنجب وردة أو يصحو في يومها صباح!
ولكي تبقى طفولة قلوبنا نابضة بالحياة، تأتي ضرورة الفن في حياتنا، إنه يمدّ تلك الطفولة بالماء حتى لا تموت فينا، فاللوحات التي نراها بعين طفولة قلوبنا، تسكب ألوانها في إناء نفوسنا لتخرجها من رمادية لونها، والموسيقى، التي نسمعها بأذن تلك الطفولة؛ تُنبت في وحشة نفوسنا شجراً صالحاً لبناء أعشاشِ لهديل الحمام، وحدائقَ يطيب فيها لأغاني الفراشات السكن، وديوان الشعر أو الرواية، التي نفتح غلافها وندخلها بالقدم اليمنى لتلك الطفولة، من شأنه أن يخلق تعويذة لنا تحمي سحر الخيال ولذة الاكتشاف، وقوس قزح اختلافاتنا فينا من أن "ينفك" مهما قُرأت علينا من أوراق الرُّقية، إن هيئة الترفيه هي تلك التعويذة والمحمية، التي ستمنع طفولة قلوبنا من الانقراض، حتى لا نخسر جسرنا الوحيد للتصالح مع الحياة ومحبتها، وهي الشريان، الذي سيمدها بالدم من خلال خلق فضاء أوسع للفن ليتنفس ويزيّن لوحة الحياة داخلنا وما سينتج عن ذلك من تأهيل المجتمع لمحبة الحياة والعيش والتعايش معها، فالذي لا يحب الحياة لن يساهم في إعمارها، بل قد يصبح قنبلة موقوتة تتحين التوقيت المناسب لانفجارها!