أكثر الناس تفاؤلاً لم يتوقع أن إدارة مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية (5 - 11 مارس 2017) ستنجح في اجتياز الاختبار الصعب المتمثل في انتقال المهرجان من الأقصر، التي شهدت أول دورة للمهرجان عام 2012، إلى شرم الشيخ، التي لم يُعرف عنها سابقاً أنها استضافت مهرجاناً سينمائياً من أي نوع!لن أتحدّث هنا عن الغياب الجماهيري الملحوظ، وسيكون حديثي مقصوراً على المستوى الرائع للأفلام، خصوصاً المشاركة في مسابقة الأفلام الطويلة، التي تميزت على صعيدي اللغة والرؤية، واتسمت بسوية فنية طيبة، وهو ما توافر لأربعة أفلام عربية أثارت جدلاً كبيراً، بين مؤيد ومناهض، ومتحمس وغاضب، مثلما حدث مع الفيلم الروائي الطويل «ما زلت أختبئ لأدخن» (الجزائر، اليونان، فرنسا/ 2016) الذي ذكرتني مخرجته «ريحانة»، هذا هو اسمها، بالفيلم التونسي الشهير «الحلفاويين» أو «عصفور السطح» (1990) للمخرج فريد بو غدير، ليس فقط لأن أحداثه تدور بالكامل في حمام شعبي للنساء، وإنما لأنه يستدعي إلى الأذهان الاتهام الذي طارد «عصفور السطح» حينما قيل إنه «يبيع تخلّف الشرق للغرب»، وإنه يتاجر بهموم المرأة العربية.
الفيلم الذي تدور أحداثه في 90 دقيقة، يتعرّض لقصص نساء في مراحل عمرية مختلفة، ولكل واحدة منهن مأساة تعكس الأوضاع الاجتماعية الصعبة التي تعيشها المرأة الجزائرية، في ظل التقاليد القاسية من ناحية وسطوة التيار الديني الأصولي من ناحية أخرى! أما الفيلم الثاني المثير للجدل فهو تسجيلي بعنوان «يا عمري» (لبنان/ 2016) اختار مخرجه هادي زكاك جدته العجوز بطلة لشريطه الطويل (82 دقيقة)، ليتوقف معها عند محطات عمرها، الذي تجاوز المئة وثلاث سنوات، وإقامتها التي تنوعت ما بين البرازيل ولبنان. ووسط مونتاج لم تعتده الأفلام التسجيلية كثيراً (شارك فيه: هادي زكاك وإلياس شاهين) وأرشيف ثري للجدة، والمخرج، تابعنا قصة إنسانية غاية في الشجن والعذوبة والرقة امتزج فيها الضحك بالدموع. لكن بعض من تابع الفيلم خرج غاضباً ناقماً متهماً مخرجه بأنه استغل معاناة جدته، ولم يرحم شيخوختها! بينما بلغت الاتهامات حدتها عقب عرض الفيلم الروائي الطويل «ربيع» (لبنان/ فرنسا/ قطر/ الإمارات 2016)، حيث لم يصدق أحد ممن شاهدوه في شرم الشيخ ما قيل عن مشاركته في قسم «أسبوع النقاد» ضمن فعاليات الدورة 69 لمهرجان كان السينمائي الدولي، وأنه نال إعجاب الجمهور واستحسانه. الفيلم الذي أخرجه اللبناني فاتشي بولجورجيان في 105 دقائق أقرب إلى الميلودراما الهندية، ونجح بدرجة كبيرة في تشويه الفكرة التي كان يمكن لها أن تصبح محلاً لقراءات متعددة. تحكي الأحداث أزمة الشاب الكفيف «ربيع»، الذي يفاجأ لحظة استخراج جواز سفر، أن هويته مزيفة، وأنه مشكوك في نسبه إلى أسرته، ويبدأ بالبحث، في رحلة استقصائية، عن جذوره، في الجنوب اللبناني، ومراجعة تاريخ أمه وخاله المزيفين، كذلك يلتقي أشخاصاً يزيدون الأزمة تعقيداً. لكن المخرج يلجأ إلى أكثر الحلول سذاجة، ويُفسد أطروحته التي تحتمل أكثر من تحليل على الأصعدة كافة!رابع الأفلام التي عرضها المهرجان، وربما تكون الأقل إثارة للجدل، هو الفيلم الروائي الطويل «غدوة حي» (تونس 2016) إخراج لطفي عاشور عن سيناريو شاركت في كتابته، وبطولته، أنيسة داود، التي شاركت في الإنتاج أيضاً. يتناول الفيلم الأحوال في تونس بعد ثلاث سنوات من ثورة الياسمين، ويكاد يكون مرثية للأوضاع الأمنية والقضائية والاقتصادية والإعلامية التي آلت إليها البلاد. وفي 85 دقيقة، يطرح المخرج التونسي لطفي عاشور، الذي أظهر تمكناً في الفيلم الروائي القصير «علوش»، وجهة نظر غاية في الأهمية، والجرأة، عن وطن يبحث عن هويته، واستقراره، بعد ثورة تكاد تذهب في مهب الريح، ومستقبل محكوم عليه بالفشل والانهيار، ومشاعر بدأ يتسلل إليها اليأس والإحباط بعد فترة من الأمل المتوهج... وكأني به يتحدث عن مصر! نجح مهرجان شرم الشيخ للسينما العربية والأوروبية، وإن لم تتسم مسابقة الأفلام القصيرة بالجودة والتنوع والأهمية التي جاءت عليها مسابقة الأفلام الطويلة، وفي حين توقعنا أن المهرجان سيتحول إلى «كارت بوستال» في ملف وزارة السياحة كانت المفاجأة أنه وجد لنفسه مكاناً بين المهرجانات السينمائية الحقيقية، بعدما انتظمت عروضه بدقة غير معتادة، وجاءت أفلامه من بلادها في الموعد تماماً. وإن لم يحضر صانعوها بالشكل الذي يمنح ندواتها الزخم المطلوب، لكن يظل غياب الجمهور بمثابة اللغز، الذي يقتضي تدخلاً عاجلاً، ولا يستقيم معه القول إن شرم الشيخ لا تملك مواصفات المدينة التقليدية، التي تعج بالمواطنين المقيمين، وإن غالبية مواطنيها وافدون أو موظفون، لأنه العذر الأقبح من الذنب!
توابل - سيما
«أفلام مثيرة في شرم الشيخ»!
17-03-2017