تميزت ندوة رواية "النجدي" التي خضعت للبحث والتحليل والتدقيق والنقد من أكاديميين مميزين هما د. يعقوب الغنيم ود. سيلمان الشطي، عن كل الندوات التي تفتش في ضمير الكاتب أو تنقب في أعماقه عن المسكوت عنه في أوراق الرواية، لاسيما عندما تكون وثيقة عن حقبة ثرية بالمواقف وحافلة بالأحداث وغنية بالمشاهد- تميزت بأنها جمعت بين الحداثة المتمثلة في مركز جابر الثقافي، أحد أكبر القلاع الثقافية في الوطن العربي، والأصالة أو الماضي بكل حلوه ومره، وكان القاسم المشترك بين الماضي والحاضر" هو القرب من البحر أو "مياه الخليج".ولم تقتصر قيمة الندوة التي أدارها علي العنزي على ما طرحه الغنيم والشطي من رؤى نقدية ثرية القيمة والدرس والمعنى أقرب للتشريح لأبجديات وأحداث النص بتوغل لم يترك شاردة أو واردة في "المتن"، ولكنها انسحبت على المشاعر التي فاضت دموعا من عيون الحفيد علي حسين علي ناصرالنجدي الذي بكى فارسه وبطله وقدوته ومثله الأعلى وكأن الحادث وقع في اللحظة، من فرط صدق التناول واستحضار الوقائع بأمانة متناهية الروعة من الأديب.
وقال طالب الرفاعي، في بداية الندوة، إن رواية النجدي مغايرة لما كتبت عنه موضوعا وشكلا ومفردة وجملة وسردا، والبداية كانت مع كتاب "أبناء السندباد" للقبطان الاسترالي الن فاليرز، ولحظتها ولجت في ذهني فكرة كتابة الرواية لبطولة النوخذة علي النجدي، وتأكد الأمر بالنسبة لي مع معرفة حادثة الغرق، حيث المفارقة الحياتية الصادمة، ولأن كتابة الرواية تقوم، في جزء مهم منها، على المفارقة، والمفارقة الصاخبة تحديدا.وأوضح الرفاعي أن التحضير للرواية مر بالعديد من المراحل، الاولى قراءات كتب، ومقالات في مجلات وصحافة، وزيارة موقع اليوتيوب، حيث عثرت على فيلم قصير، من إعداد المخرج الكويتي عبدالله المحيلان، يتكلم فيه المرحوم سليمان الهولي وهو أحد ابطال الرواية، وهذا الفيلم القصير مثل لي عونا كبيرا ومهما لأنه شهادة شاهد عيان مشارك في الرحلة.وتابع: هذه المرحلة من التحضير للرواية استغرقت مني قرابة السنة، ومن أهم عناصر هذه المرحلة جلوسي مع ناصر ولد حسين ولد علي النجدي للحديث حول النوخذة والوقوف على عوالم الشخصية الانسانية، وكذلك زيارة ديوان النجدي الذي احتوى جلساته وأصدقاءه في منطقة كيفان.وأضاف: كانت المرحلة الأهم هي كيفية التناول، لاسيما أني صادفت مأزقا كبيرا هو ان مادة الرواية تعتمد كليا على التاريخ، وأنا لست على علاقة حميمة بالتاريخ، لأني اعيش لحظتي الراهنة ناظرا الى المدى، ومفكرا في الغد، فلقد تعودت ألا انظر للخلف كي لا يجرني اليه.وواصل: بدأت الكتابة، والروائيون يعرفون أن بدء الكتابة هو سير في عماء، ولذا كان علي ان اتحسس طريقي للاهتداء الى اسلوب الكتابة خاصة أن كل شيء جديد علي, بعد العديد من المحاولات اهتديت الى ان صوت الراوي بصيغة ضمير المتكلم سيكون لبطل الرواية علي النجدي لتقريب عالمه من القارئ، ولخلق حميمية بين اجواء الرواية والقارئ.ولفت إلى ان كتابة الرواية استغرقت نحو السنة، "حيث اعدت كتابتها ما يقارب 17 مرة، ثم عرضت مسودة الرواية على كل من د. يعقوب الحجي ود.يعقوب الغنيم وخالد سالم.وقبل الدفع بالرواية الى الناشر عرضت الرواية على اسرة النجدي، وقد أسعدتني بموافقتها على ما جاء فيها، وكذلك قيام الحفيد بكتابة كلمة الغلاف للراوية، كما قام ولده علي بعمل فكرة الغلاف، وأثناء التحضير للطباعة قمت بعمل سبع بروفات لترى الرواية النور بعدها".من جانبه قال د. يعقوب الغنيم إن الرواية فريدة، يندمج فيها التوثيق والتأريخ والتخييل السردي في تناول أحداثها وشخوصها بدقة، علاوة على أنها صورت عالم البحارة والسفن الشراعية والعواصف بشكل أنعش الذاكرة لكل من عاش هذه الحقبة، من خلال توظيف الوثيقة التاريخية وتحويلها إلى مشاهد شكلا ومضمونا.وطالب الغنيم المجلس الوطني بضرورة تبي فكرة اصدار رواية النجدي ضمن سلسلة عالم المعرفة، بوصفها عملا يقدم تاريخ احدى رجالات البحر في الكويت. بدوره قال د. سلمان الشطي: في هذه الإطلالة لن أتوغل في تحليل الرواية تحليلا متأنيا، بل ستكون مساهمتي بمثابة قراءة استمتاع عن شخصية احببت عالمها الذي انتمي اليه انتماء تاما، ولذا فيكفيكم مني بضع نظرات هي فواتح أو ابواب، وليست دخول سرادقات وقاعات فسيحة مع هذه الرواية.وأوضح الشطي أن ما قام به الرفاعي مغامرة محفوفة بالمخاطر، ولكن مخاطرها تهون في مقابل متعتها المتوقعة، ونقول إن الحقائق الخارجية هيكل عظمي لا يقف على قدمه اذا لم يُكسَ بلحم وعضل، حينئذ تتشكل الحياة الداخلية المنشودة. كاتب السيرة يبحث فلا يعثر الا على مؤشرات دالة على الحركة الخارجية للانسان، يحاول ان يستنطقها بعقلية العالم الذي يرتب وينسق ليخرج الوثائق والمعلومات في شكل احداث منسجمة لتدل على خطوط حياة خارجية. كاتب السيرة يجمع الملف عن الشخصية، قد يجد رأي الشخص في نفسه، يصفها او يتحدث عنها، ويسمع ويقرأ اخبار الناس عنه ممتزجة برأيهم فيه، وفي هذا وذاك أضواء على الحياة الخارجية المنظورة لهذه الشخصية حسب كاتب السيرة، أو ينجح في هذا الخط ليلتقط انفاسه براحة المستريح.وأشار إلى أن الروائي حين يخرج من منطقة التوثيق والاخبار الى حالة التعبير سيجد ان ما لديه قليل مهما كثرت الوقائع عنده.واستطرد: عندما ندخل في دهاليز هذا العمل سنجد انه اختار لنا التحرك المرن بين خطوط الواقع والحقائق التي تحيط بشخصية علي النجدي الشخص. كما حفلت الندوة بالآمال، ومن ابرزها ما تمنته الاديبة الكبيرة ليلى العثمان من المهتمين على الثقافة والفنون والآداب أن يحولوا الرواية لعمل سينمائي او مسلسل تلفزيوني، لاسيما أن دولة الكويت لا ينقصها القدرة، سواء المالية اوالكوادر الفنية المتخصصة في الاخراج والتصوير، ومنهم المخرج وليد العوضي.
مطالبات بالاهتمام بتاريخ النواخذة
احتوت الندوة على مطالبات تصل إلى حد الأماني من الحاضرين، ومنهم نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء السابق عبدالعزيز الدخيل وشيخ الدبلوماسيين يعقوب بشارة والفنانين احمد المنصور وعبدالعزيز الحداد، ليس للروائي الكبير طالب الرفاعي، ولكن لكل من يتصدى لعملية الابداع والخلق القصصي والكتابة الساحرة بأن يستدعوا العديد من عظماء النواخذة الكويتيين الذين كان لهم باع طويل في عالم البحار والأخطار التي كانوا يواجهونها في العقود الأولى من القرن العشرين، لأنها حقبة ثرية بتقاليدها وقيمها اجتماعيا، وأيضا سجل يظهر ما طرأ على الكويت والخليج عموماً بعد ظهور النفط، من حركة تحديث شامل، قضت على مهنة الصيد والغطس.