وثيقة لها تاريخ : أسرة الربّان والكويت 1-2
توجد العديد من القصص والأحداث الشائقة في تاريخ الكويت ما قبل النفط، والكثير منها يتضمن عبراً ودروساً نستفيد منها، وتبقى ذكرى طيبة تعكس طبيعة المجتمع وطيبته وأصالته. في مقال اليوم سنتحدث عن قصة أفراد من أسرة قدمت إلى الكويت مبكراً، ثم اضطروا للهجرة إلى قطر خلال فترة حكم الشيخ مبارك الصباح، لكن أحد أبنائها وعائلته عاد مرة أخرى إلى الكويت لاستعادة أملاك والده، ثم عاد إلى قطر وبقي أحد أبنائه في الكويت، واستقر فيها إلى اليوم.
هذه الأسرة هي أسرة "الرَبّان السويدي"، التي سكن أحد رجالها وهو خميس بن خليفة بن محمد الربّان الكويت بعد هجرته من قطر في الفترة السابقة لحكم الشيخ مبارك. ويعتبر خميس تاجراً كبيراً له علاقات واسعة في الخليج والعراق وإيران، وقد اطلعت على وثائق عديدة ورد فيها اسمه، وتعكس ثراءه وارتباطه بشخصيات خليجية بارزة. وقد أبلغتني مصادر من عائلة الربان في قطر أن خميس توفي عام 1890م، وكان خميس يملك أراضي شاسعة في البصرة، وأراضي في ميناء بوشهر، وأراضي في قطر، وأراضي في الكويت. ويقال إنه كان يملك أرضاً امتدت على الساحل في الحي الشرقي بمدينة الكويت، انتقلت ملكيتها إلى أسرة "بن غيث" المعروفة، بعد قصة جميلة تدل على الأمانة والوفاء. ولخميس بن خليفة الربان ولدان وبنت (منيرة ومحمد وخالد) إلا أن الذرية الموجودة اليوم لخميس هي أبناء ابنه خالد، الذي أنجب خمسة أولاد وابنتين، ويعيش أحد أحفاده في الكويت، وهو العم خالد بن خليفة بن خالد الربان (مواليد عام 1930). ومما ورد عن خالد الذي عاش في الكويت فترة طويلة أنه تعرض للسجن في مدينة البصرة بعد أن هاجمه مجموعة من الأشخاص من مدينة المحمرة، وقتل منهم سبعة دفاعاً عن النفس. وبعد وساطات ومفاوضات مطولة، يقال إن الشيخ مبارك الصباح كان طرفاً فيها، أطلق سراحه وعاد إلى الكويت. وقد التقيت بالعم خالد بن خليفة في منزله بمنطقة القادسية، وتحدثت معه مطولاً عن جده خالد بن خميس الذي خرج من الكويت عام 1913م، إثر حادث وقع له. يقول العم خالد إنه في إحدى الليالي قَتل جدُّه خطأً الخادمَ الذي يعمل لديه في البيت، وعند انتشار الخبر في الأيام التالية، جاءه فداوية الشيخ مبارك فقاومهم بالسلاح حتى نفدت ذخيرته ثم استسلم لهم، ووضع في السجن. إلا أن الأمر لم يتوقف عند ذلك، بل بعد وصول الخبر إلى قطر أرسل الشيخ خليفة بن ناصر السويدي وفداً من قبيلته إلى الشيخ مبارك، وبعد المفاوضات وافق الشيخ مبارك على إطلاق سراحه، بشرط أن يغادر الكويت فوراً ولا يعود لها. وفعلاً، غادر الوفد ومعهم خالد بن خميس الربان، واتجهوا إلى البحرين بالسفينة، ومنها براً إلى الدوحة. ويبقى السؤال هنا: ماذا حدث لبيت خالد في الكويت؟ الحقيقة أن بيت خالد، الذي ورثه من أبيه، أصبح معلماً تاريخياً في الكويت بعد ذلك، إذ إن البيت، وحسب العرف الكويتي، آل إلى الأمير الذي قدمه لأسرة يعقوب الشماس (بصفة إيجار) الذين قدموا إلى الكويت في تلك الفترة للاستقرار فيها، وأصبح المنزل أول كنيسة في الكويت. ويتذكر العديد من سكان فريج الغنيم بيت الربان وخصوصاً يوم الأحد حينما يصل إلى آذانهم صوت البيانو والموسيقى إيذاناً ببدء القداس الأسبوعي. في الأسبوع القادم سنتحدث عن بقية قصة أسرة الربّان والكويت إن شاء الله.