وسط مشكلات كثيرة يعانيها المجتمع الكويتي أخيراً، منها ما هو متعلق بالرؤى الاستراتيجية، وآخر يرتبط بالتنمية الاقتصادية، برزت على السطح أخيراً ظاهرة الأصوات الشعبوية، التي تصدر بين فينة وأخرى من بعض السياسيين ومتعاطي الشأن العام ضد الوافدين في الكويت، إذ تحملهم تلك النبرات وزر الأزمات الاقتصادية المعيشية داخل البلاد.

وفي هذا الشأن، نبه مراقبون من مغبة الوقوع في جدلية مفرغة، باعتبار أنه بقليل من الرؤية والتفكير المنطقي، يتبين أن المسألة أعمق بكثير من هؤلاء الوافدين، إذ ترتبط مسؤوليتها بمفهوم التنمية ككل لاسيما بشرياً، وهي أزمة إدارة وتخطيط، بالدرجة الأولى.

Ad

فالوافدون ليسوا حالة طارئة جاءت من العدم، بل هم منذ نشأة الكويت الحديثة أصحاب بصمات واضحة في نواحٍ كثيرة من حياتنا، بل شكلوا سواعد شريكة في نهضة بلادنا، ببنيتها التحتية والعمرانية والمرافق والمؤسسات بكل أبعادها، أفقياً ورأسياً، ولا يزالون كذلك في الكثير من المجالات الحياتية والخدمية، التي لا يمكن حصرها.

ويشير المراقبون، في هذا الصدد، إلى مدى اعتماد الكويتيين الكبير على الوافدين من الدول الشقيقة والصديقة حول العالم وفي شتى المستويات، لافتين إلى أنه كأي حالة أو قضية ما، ثمة آراء عديدة تنتقد وجود الوافدين لأسباب متفاوتة، خصوصاً لناحية العدد وفائضه وطغيان عمالة ما على أخرى وما شابه ذلك، لكن تلك الدعوات في المجمل لم تلق صدى لعدة اعتبارات أيضاً، أهمها أن من يطالب بذلك لا يقدم حلولاً ناجعة لملء الفراغ، الذي سيشكله الاستغناء عن الوافدين.

الانفجار السكاني

وجدير بالذكر أن مجلس أمة 2016، خرجت من لجانه اقتراحات وتصريحات وتسريبات بعضها مؤذٍ، أقله نفسياً، للوافد، وشكل صدمة له وللكثيرين من المواطنين على حد السواء، حتى بدأ بعض الوافدين في كثير من القطاعات مراجعة حساباتهم.

وعندما طالب عدد من النواب بعقد جلسة خاصة لتداعيات (الانفجار السكاني) بسبب الوافدين، لم يتحقق ذلك بسبب عدم اكتمال النصاب، أما النائبة صفاء الهاشم فذهبت إلى أبعد من موضوع عقد جلسة "التركيبة"، حين خرجت أكثر من مرة مطالبة بفرض رسوم على الوافدين نظير استخدامهم الطرقات، معللة طلبها بأن ذلك من شأنه التقليل من معدلات الازدحام، فضلاً عن مناداتها بفرض ضرائب ورسوم على التحويلات المالية للوافدين.

كما دعت صفاء، وزير الصحة إلى فرض رسوم إضافية غير المعمول بها حالياً عليهم، ومما ورد في دعوتها، أن الأوكسجين في طوارئ المستشفيات بدأ ينفد بسبب الازدحام، الذي يشكله الوافدون، مطالبة بعدم صرف أدوية لهم، باعتبار أن عليهم أن يشتروها من خارج المستشفيات والصيدليات الخاصة.

وفي خضم هذه "الجدلية"، تظهر بعض الدراسات المتخصصة أن أي خطوة للحكومة الكويتية تجاه تقليص العمالة الوافدة ستجعل سوق العمل عاجزاً عن ملء الفراغ في القطاعين الخاص والعام، ومرد ذلك إلى اعتبارات كثيرة أهمها قلة عدد الشباب الكويتيين المؤهلين الذين يحلون مكان الوافدين، فضلاً عن تكدّس بعض الاختصاصات، التي أصبح خريجوها ينتظرون سنوات في طابور ديوان الخدمة.

البنية التحتية

وفي موازاة ذلك، يعتبر بعض السياسيين والحقوقيين أن التصريحات التي تحمّل الوافد عبء تردي البنية التحتية لاسيما الطرقية والمرافق، والمستوى الخدمي والصحي والتعليمي ومجمل ما تقدمه الوزارات بشكل عام، أمر خطير ومناف للواقع وللمنطق، وأنه من باب أولى أن تتم محاسبة الحكومة، التي هي المسؤول الأول والأخير عن الوضع، إذ إن أمراً مثل هذا يترتب عليه دخول الكويت في مواجهة مع منظمات حقوق الإنسان، وربما أزمات سياسية خارجية مع الدول المصدرة للعمالة، ولا نغفل ملفات وقضايا ذات صلة بذلك، معظمها عالق.

ووسط ضعف السياسات المتخصصة والاستشرافية، والافتقار إلى الرؤية المستقبلية الحصيفة، دخلت الكويت في دوامة هذه الأزمة بمرور الزمن، لكن معالجتها بهذا الشكل من خلال التصعيد و"الشعبوية" وطرح الحلول المؤقتة من شأنها أن تدخل البلد في أزمات "عدمية" متوالية.