لا تزال الحكومة تتعامل بسياسة الترضيات، فالوزير الذي يستقيل أو يُقال تتم الاستعانة به في وظيفة تعادل المنصب الذي كان يتقلده، كذلك عندما تفشل الحكومة في إرضاء أحد الأشخاص بتوليته منصباً مهماً بإحدى الوزارات فإنها تعينه مستشاراً، وعندما تريد أن تستقطب المعارضين وترضي الكتل السياسية والتيارات الدينية تعين كوادرهم أو أقاربهم في مؤسسات الدولة، وتطبق أسلوب المحاصصة في توزيع المناصب القيادية والإشرافية، وتعتمد على الترضيات والانتماءات الطائفية والفئوية بغض النظر عن الكفاءة أو الاستحقاق.

هذه السياسة التي تنتهجها الحكومة ومؤسساتها تسببت في إصابة الكثير من المواطنين بالإحباط والاكتئاب والسخط والتذمر لأنهم يشعرون بغياب العدالة والمساواة في توزيع المناصب وأن أصحاب الكفاءات ومن لديهم الخبرات والمؤهلات يُحرَمون تقلد الوظائف في وقت تُفتَح الأبواب على مصاريعها لأنصاف الموهوبين وغير المتخصصين لأن يصبحوا قياديين ويتقدموا الصفوف الأولى دون أن يكون لديهم أي شيء له علاقة بمواصفات الموظف الناجح مثل الثقافة والخبرة والممارسة والتعليم.

Ad

لقد أصبح الكثيرون من ذوي الكفاءة في الوزارات والمؤسسات الحكومية منسيين ومهمشين ليس هذا فحسب وإنما تتم محاربتهم في أماكن عملهم ولا يسمح لهم بالحصول على حقوقهم في التدرج الوظيفي ويجدون أنفسهم لا مكان لهم في وطنهم على الرغم من أنهم أكفاء من ذوي العطاء المخلص ويحملون الرؤى والأفكار التي من الممكن أن تساهم في الارتقاء بالوطن.

وسياسة المحاصصة والترضيات وغياب الكفاءات أحد الأسباب الرئيسية لانتشار مظاهر الفساد الإداري والمالي بشكل كبير حيث إنها تأتي بمسؤولين غير أكفاء وتضع غير المؤهلين في أماكن لا يستحقونها، كما أن هذه السياسة وراء زيادة حدة الانتماءات الطائفية والفئوية التي طغت على الوطنية والنزاهة والإخلاص، حيث إن الكثيرين تقوقعوا حول عوائلهم وجماعاتهم بحثاً عن الواسطة والمحسوبية التي تتدخل لتعيينهم في مؤسسة حكومية أو منصب مرموق.

ولعل الحكومة تدرك أن الاستمرار في هذه السياسة لن يتقدم بالبلاد إلى الأمام وسيجعل المواطنين يبحثون عن فرص للتعيين والترقي عبر منافذ العلاقات الشخصية ويدفع الكثيرين منهم إلى اللجوء إلى الطرق الملتوية وغير المشروعة للحصول على حقوقهم وسيكون الولاء لمن يقدم الخدمات لا للوطن، ولن يحرص هؤلاء على تطبيق القانون ماداموا قد رأوا الحكومة تضرب به عرض الحائط من خلال الترضيات والصفقات المشبوهة التي تعقدها لتعزيز تحالفاتها وزيادة الموالين لها.

وفي الختام أود التأكيد على أن الكويت لديها الكثير من أصحاب الكفاءات والخبرات والمؤهلين لتولي الوظائف وينتظرون الفرصة المناسبة للانطلاق لخدمة وطنهم، لذا يجب أن تكون معايير الاختيار لجميع الوظائف، لا القيادية فحسب، قائمة على الكفاءة وحدها التي هي أحد الأركان الأساسية لنهضة الأمم، فنختار الشخص الذي تتوافر فيه مقومات ومتطلبات شغل الوظيفة أكثر من غيره الذي يكون لديه واسطة أو يتم تعيينه لإرضاء أحد الأطراف السياسية أو جماعة معينة، نحتاج في بلادنا أن نضع الشخص المناسب في الوظيفة المناسبة، وأن نعدل بين الناس تطبيقاً لقوله تعالى «اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ».