سوء الظن
ما عاد حسن الظن بين الناس مفترضاًً أصلاً، فبعدما كان لزاماً على المرء أن يحسن الظن ويعذر غيره مراراً وتكراراً، لم يعد ذلك موجوداً، أو كاد ينقرض، ولا نعرف هل للزمن يد في ذلك، كما نلومه عادة في كل مرة، أم أن العيب فينا؟ اليوم وفي طريقي لقضاء بعض المشاوير، وبينما كنت أنتظر بسيارتي المركونة جانباً أتحدث في الهاتف وأؤشر بيدي، مرت من جانبي امرأة بسيارتها، التفتت نحوي في الوقت الذي كنت فيه أؤشر رفضاً بيدي تفاعلاً مع المكالمة التي معي، قطعت اندماجي ردة فعل مفاجئة من تلك المرأة، حيث بدَت غاضبة جداً، تتفوه بكلمات لا أسمعها، لكنني فهمت إشاراتها التي أحسنت ملامحها ترجمتها. كانت تحدق بغضب نحوي! لم أدرك سبب انفعالها المفاجئ المضحك لي، علمت لاحقاً أنها كانت تود أن تركن سيارتها مكاني، فكانت تسألني ولم تجد مني إلا إشارات الرفض القاطعة التي ما كانت موجهة إليها أصلاً، بل للمكالمة التي كنت مشغولة بها! سرحت كثيراً بعد هذا الموقف البسيط، رحت أفكر بعيداً جداً عن مدى ظلم الناس للناس لمجرد سوء ظن، فكرت في تلك الكلمات الجارحة التي تقذف بدون وجه حق لمن لا يستحقها، وعن النميمة التي يطعن بها أشخاص وأسماء لا يحملون إلا الطيبة والخير.سافرت مع هذا الموقف إلى داخل عقول هؤلاء الصغار جدا، بالله، كيف تعمل عقولهم وتترجم المواقف والأحداث؟ كم صار الناس لا يطيقون التعامل بينهم، فكل منا يفسر الأشياء فوراً بسوء نية دون دليل أو تبرير أو عذر، صار حكم الناس على غيرهم أسرع، فنحكم على نوايا الشخص من نظرته وتعابيره التي لا تدل بالضرورة على بواطن سرّه، بتنا نفترض سوء النية أولاً إلى أن تحدث معجزة، فتغير الظن، لم يعد العذر أساسياً، بل ليس مهماً! فلم يعد للناس وقت لسماع تبريرات، لا أدري هل للترف علاقة بأن يصبح المرء مكتفياً بنفسه، مستخفاً بغيره، أم أنه الزمن أيضاً، لماذا صار الإنسان بهذا الشر في حين أن الشر استثناء والخير هو الفطرة، لمَ تغيّرت نفسيات البشر حتى مع أقرب الأشخاص، كيف نلتمس البركة في حياتنا ونفوسنا ملأى بسواد التكهن وسوء الظن؟
إليك أيتها المرأة الحاذقة المجهولة: كنت أتحدث في الهاتف، إشارات يدي كانت من ضمن اندماجي في المكالمة، لم تكن تعنيك أيتها الفاضلة، انفعالك وصل وكذلك كلماتك النابية، لكنني سـأحسن بك الظن، علّها كانت لذبابة مزعجة التصقت بنافذتك اليسرى!