لما أصبح ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين من ألمانيا من مسؤولية الولايات في البلاد، فيُستعمل نظام عشوائي في هذا الشأن أقرب إلى لعبة حظ. بالنسبة إلى نصف مليون شخص ينتظرون تلقي الأوامر بترحيلهم هذه السنة، ربما يتوقف قرار مغادرتهم أو بقائهم على مكان إقامتهم. «شبيغل» ألقت الضوء على هذه الأزمة الإنسانية.
أصبح ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين من ألمانيا إحدى أبرز المسائل السياسية المُسبّبة للخلاف في هذه السنة التي ستشهد انتخابات اتحادية في البلاد.تسعى الحكومة الاتحادية إلى تكثيف عمليات الترحيل، وأدت هذه الخطوة إلى زيادة المواقف الرافضة في الأوساط الرسمية. يتساءل البعض: «هل من مبرر حقيقي لترحيل الناس إلى بلدان غير مستقرة كأفغانستان؟ هل من المنطقي أن نرسل المهاجرين الذين اندمجوا في المجتمع وأولئك الذين يعيشون ويعملون في ألمانيا منذ سنوات إلى بلدانهم الأصلية؟تختلف طريقة التعامل مع عمليات الترحيل بشدة بين ولاية وأخرى. يبدي بعض الولايات التي يحكمها «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» اليساري وحزب الخضر موقفاً متحفظاً مقارنةً برأي «الاتحاد الاجتماعي المسيحي»، الحزب البافاري الشقيق لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» المحافظ الذي تقوده ميركل. لكن لا يمكن ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين بسرعة كافية. يكفي أن نتفوّه أحياناً ببضع كلمات بسيطة كي يندلع صراع كبير. قبل أن تجمع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حكّام الولايات الألمانية في دار المستشارية لتشديد تدابير الترحيل، نشرت بياناً يتحدّث عن ضرورة «زيادة الجهود الوطنية المبذولة» في هذا الشأن.في مشروع القرار اللاحق، وُضِعت تلك الكلمات بين قوسين. ذكر البيان الرسمي النهائي الذي أصدره الحكام: «يجب أن تبذل الحكومة الاتحادية والولايات جهوداً إضافية». لم يسبق إن تلاشت الجهود الوطنية الكبرى بهذه السرعة يوماً.حتى إنَّ حاكم ولاية «تورينجيا»، معقل الحكومة الائتلافية اليسارية المؤلفة من الحزب اليساري و«الحزب الديمقراطي الاجتماعي» وحزب الخضر، لم يحضر الاجتماع. بل أرسل الحاكم بودو راميلوف من الحزب اليساري مذكّرة احتجاج تساوي نصف حجم القرار الصادر. صحيح أن حاكم «شليسفيغ هولشتاين»، تورستن ألبريغ، من «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» اليساري الوسطي صادق على البيان، لكنه أعلن بعد أسبوع أن ولايته ستوقف عمليات الترحيل إلى أفغانستان. أدّت تلك الخطوة إلى احتجاج وزير الداخلية الألماني توماس دي مازيير فقال: «لا يمكن أن نتعاون بهذه الطريقة». تقرير من «شبيغل الألمانية».هل تُطرَد فئة خاطئة؟
بالنسبة إلى عدد كبير من اللاجئين، يتوقف مصيرهم على الولاية التي يوجدون فيها. زادت مظاهر الظلم في هذا الملف بسبب الفوضى السائدة في الأوساط الرسمية والمصاعب العمليّة التي تعوق الترحيل. يمكن أن يستفيد طالبو اللجوء المرفوضون من الوضع الراهن، علماً بأنهم كانوا استعملوا الحِيَل أو الخداع للحصول على رخصة إقامة في ألمانيا: يخترع هؤلاء الناس قصصاً مقنعة أو يقدّمون فحوصاً طبية مزيفة أو يختبئون بكل بساطة. في النهاية، لا يُرحَّل الأشخاص الذين يطرحون خطراً محتملاً على ألمانيا، وأبرزهم مرتكبو أعمال العنف أو المجرمون، بل الأشخاص الذين اندمجوا في المجتمع ويمكن أن يستفيد منهم البلد راهناً.عالقون في الوسط
هرب أشخاص كالشاب الأفغاني رحمت خان إلى ألمانيا عام 2010. ادّعى أن حركة «طالبان» قتلت والده لكن لم يصدّقه «المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين» ورفض طلب اللجوء الذي قدّمه. منذ ذلك الحين، استولت الحكومة على مكان إقامة خان في ألمانيا. وجد شقة أخرى وتعلّم اللغة الألمانية وانخرط في جماعة للشباب الكاثوليك وبدأ يعمل في شركة بناء في «إيسنباخ». يعتبره رب عمله توماس مونزل «نعمة من السماء»: «حتى أنه جاء إلى العمل رغم إصابته بالزكام».خسر مونزل الآن أحد أفضل موظفيه. عيّنت الشركة محامياً للدفاع عن خان، وطلبت من السلطات أن تمدّد صلاحية رخصة عمله، كذلك كتبت رسالة إلى دار المستشارية وقدّمت عريضة إلى المجلس التشريعي المحلي. لكن لم تنجح هذه الخطوات كلها. في 14 ديسمبر الفائت، قرعت الشرطة باب خان ووضعته في حافلة متّجهة إلى مطار «فرانكفورت» حيث أقلعت طائرة نحو أفغانستان. يتصل خان الآن برب عمله السابق كل يوم جمعة ويقول له: «إذا ساعدتني على العودة، سأضاعف عملي». لكن لا يستطيع مونزل القيام بأي أمر. لو لم يصل خان إلى «لاندسهوت» في بافاريا حين جاء إلى ألمانيا بل استقر على بُعد 800 كلم شمالاً، كان ليبقى في ألمانيا.داخل شقة في منطقة «شليسفيغ هولشتاين»، كان جاويد يوسف (32 عاماً) يسكب كوباً من الشاي. يعيش هذا الطبيب مع زوجته في ألمانيا منذ سنة ونصف سنة. دخلا إلى البلد عن طريق البلقان، مروراً بأوروبا الشرقية، ولحقهما عدد كبير من المهاجرين إلى ألمانيا. لديهما ابن ولا يريد يوسف الآن إلا أن ينشأ ابنه في مكان آمن.أبلغ العاملين على القضية في «المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين» بأنه تلقى تهديدات من حركة «طالبان» في أفغانستان. يقول يوسف إنه أصبح عدواً للإسلاميين لأنه عمل لصالح منظمة التجارة العالمية. كان متأكداً من حصوله مع عائلته على حق اللجوء بسبب تلك التهديدات. لكن رفض «المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين» طلب العائلة على اعتبار أنّ التدريب الذي تلقاه يوسف يسمح له بالعمل في منطقة خارج محافظته «لاغمان» حيث تنتشر حركة «طالبان» على نطاق واسع ويمكنه أن يجد عملاً في كابول مثلاً. ذكر القرار: «يجب أن يغادر مقدمو طلب اللجوء ألمانيا خلال 30 يوماً»، ثم أصدرت ولاية «شليسفيغ هولشتاين» قراراً بتعليق عمليات ترحيل الأفغان كافة منذ أسبوعين. تأمل العائلة الآن أن تحصل على حق البقاء.صراع متصاعد
من المتوقع أن يتصاعد الصراع بشأن الترحيل إلى أفغانستان بدرجة إضافية. خلال الأشهر المقبلة، يُفترض أن يتخذ «المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين» قراره بشأن مصير عشرات آلاف طالبي اللجوء من أفغانستان. لم تُعالَج تلك الطلبات بعد لأن السلطات لم تستطع مواكبة حجم العمل المتراكم. من المتوقع المصادقة على نصف طلبات اللجوء كحد أقصى.لا يدرك الرأي العام الألماني في معظمه حجم الترحيل المتوقّع. تشير تقديرات شركة «ماكنزي» الاستشارية إلى اضطرار نحو نصف مليون طالب لجوء مرفوض إلى مغادرة البلد في نهاية السنة. استناداً إلى الوقائع الملموسة، سيتعيّن عليهم الرحيل من البلد.في دراسة سرية مؤلفة من مئة وصفحتين، قدّم المستشارون في شركة «ماكنزي» توصياتهم للحكومة بشأن طريقة تشديد سياسات الترحيل. ذكرت الدراسة العبارة التالية: «ثمة حاجة مُلحّة إلى التحرك».في آخر سنتين، ركّز عدد كبير من قرارات الترحيل في ألمانيا على أشخاص من دول البلقان الغربية. تميل بلدانهم الأم إلى التعاون مع السلطات الألمانية وتبدي استعدادها أيضاً لقبول العائدين على أساس أوراق ثبوتية مؤقتة تصدرها ألمانيا. لكن يأتي عدد كبير من طالبي اللجوء المرفوضين اليوم من بلدان ترفض استرجاع مواطنيها. لذا يتحدث كبار المسؤولين عن صعوبة بلوغ الأرقام المسجّلة في عام 2016 الذي شهد ترحيل نحو 25 ألف مهاجر ومغادرة 55 ألف شخص طوعاً.في مطلق الأحوال، لا تكشف الأرقام صحة عمليات الترحيل كلها. يرحَّل أشخاص كرحمت خان، المهاجر المندمج في المجتمع، بينما يبقى في البلد شخص كأنيس العمري الذي كان وراء الاعتداء الإرهابي على سوق عيد الميلاد في برلين خلال ديسمبر 2016 بعدما خدع الدولة بهويات وجنسيات مزوّرة.في 7 فبراير الفائت، اعتقلت الشرطة في ساكسونيا السفلى ثلاثة مغاربة بعد إلقاء القبض عليهم أثناء اقتحامهم شقة. أصدر النائب العام قراراً باستحالة احتجازهم مؤقتاً وقيّم مكتب تسجيل الأجانب احتمال حجز الرجال قبل ترحيلهم لكنه عاد وعارض ذلك القرار. كان طلب اللجوء الذي قدّمه أحد الرجال لا يزال قيد الدرس ورُفِض طلب الرجل الثاني لكنه لم يتلقَ أمراً رسمياً بمغادرة البلد، وكانت مدينة برلين وحدها مخوّلة اتخاذ القرارات بشأن الرجل الثالث. يقول مسؤولون في «ديبهولز» إن أحداً في برلين لم يردّ على الرسائل الإلكترونية وبرقيات الفاكس التي أرسلوها. اختفى اثنان من الرجال الثلاثة، ثم عاد أحدهما للظهور في 12 فبراير الفائت كي يقبض معاش الرعاية الاجتماعية، ليختفي مجدداً ولم يظهر منذ ذلك الحين.حتى في الحالات التي يحصل فيها الترحيل، لا يمكن ضمان النجاح بأية طريقة. اعتقلت الشرطة الاتحادية في «هايدلبرغ» رجلاً جزائرياً في محطة القطار بعدما ضايق امرأتين وهدّد بإطلاق النار عليهما. حين حاول ضباط الشرطة اعتقاله، رمى دراجة هوائية باتجاهم ثم لكمهم وركلهم وبصق عليهم. بعدما أخذت الشرطة بصمات يده، علموا أنه خوجا م. (51 عاماً) المولود في ولاية ميلة الجزائرية. تعرف السلطات الألمانية أنه استعمل 14 اسماً مستعاراً على الأقل. سافر إلى البلد للمرة الأولى عام 1992. منذ ذلك الحين، رُحِّل في ست مناسبات مختلفة (2003، 2005، 2008، 2011، 2015 وأخيراً في 25 نوفمبر 2016)، لكنه كان يعود في كل مرة.الوضع على حاله
ترفض بلدان المهاجرين الأصلية استرجاعهم غالباً. حتى بعد هجوم العمري والتحذيرات التي وجّهتها الحكومة الألمانية إلى بلدان شمال إفريقيا، بقي الوضع على حاله، بحسب قول مسؤول بارز في الشرطة الاتحادية. ربما زادت الأجواء الودّية وارتفعت الأرقام بدرجة ضئيلة، لكن لا تزال المشكلة قائمة.أرادت المستشارة ميركل حديثاً أن تقوم بزيارة مجاملة إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، لكن ألغى الرئيس المُسِنّ الزيارة لأنه مريض. منذ ذلك الحين، انتشرت توقعات في أوساط السلطات الألمانية الداخلية حول صحة مرض الرئيس أو عدم رغبته في التفاوض مع ميركل بشأن عودة الجزائريين الذين تلقوا أمراً بمغادرة ألمانيا. كذلك سبّب رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد أزمة خلال زيارته برلين حين أوضح أنه لا يفكر أصلاً بقبول الأشخاص الذين تريد ألمانيا إرسالهم. في غضون ذلك، اضطر السفير الألماني في المغرب إلى انتظار ستة أشهر قبل مقابلة وزير الشؤون الداخلية.تبدو بلدان أخرى أقل تعاوناً من غيرها. توافق إيران على استقبال الأشخاص الذين يريدون العودة إلى ديارهم طوعاً، ما يجعل عمليات الترحيل إليها شبه مستحيلة. ولا تردّ إثيوبيا راهناً على الاستفسارات الألمانية. من دون تعاون بلدان المنشأ، لا يمكن الحصول على جوازات سفر بديلة، ما يعني استحالة ترحيل المواطنين إلى تلك البلدان. يصل نحو %70 من طالبي اللجوء إلى ألمانيا من دون جواز سفر.من المنتظر أن تفتح ألمانيا مركزاً إدارياً جديداً في برلين لدعم جهود الولايات في قضايا الترحيل. ستشمل المنشأة الجديدة المعروفة باسم ZUR نحو 40 موظفاً من الدولة والحكومة الاتحادية. تقضي مهمّتهم بتنسيق عمليات الترحيل الجماعية والتدخّل حين تقع مشاكل مع بعض البلدان.انقسام في ملف الترحيل
يسود انقسام بين الأحزاب السياسية الألمانية أيضاً حول عمليات الترحيل، لا سيما تجاه أفغانستان. لا تبدو تلك الانقسامات حادة بقدر ما هي عليه داخل حزب الخضر. يعارض الأخير عمليات الترحيل على المستوى الاتحادي، لكن من المعروف أن أعضاءه يشاركون في حكومات ائتلافية في 11 ولاية وبالتالي من واجبهم أن ينفذوا أوامر الترحيل. ورغم استياء قاعدته الشعبية، شاركت ولايات «هامبرغ» و«هيسن» و«بادن فورتمبيرغ» وشمال الراين وستفاليا في عمليات الترحيل الجماعي في الأسابيع الأخيرة.حاول حزب الخضر حديثاً أن ينقل المسؤولية إلى الحكومة الاتحادية في برلين علماً بأنها تتألف من المحافظين الموالين لميركل ومن «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» اليساري الوسطي. أرسل عشرة وزراء من حكومات الولايات رسالة إلى وزير الخارجية الحديث سيغمار غابريال من «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» وطالبوه بإعادة تقييم الوضع الأمني في أفغانستان. في رسالة إلكترونية داخلية إلى اللجنة التنفيذية في الحزب، كتبت حاكِمة شمال الراين وستفاليا، سيلفيا لورمان: «أصبحت الكرة الآن في مكانها الصحيح، أي في ملعب الحكومة الاتحادية!». تقول لورمان إن خطوة السياسيين حصلت بالتنسيق مع كاترين غورينغ إيكارت وجيم أوزديمير، أبرز مرشحَين عن الحزب في الانتخابات الوطنية خلال الخريف: «كان جيم وكاترين جزءاً من التحرك طبعاً».لكن ذكرت رسالة وجّهتها هذا الأسبوع وزارة الخارجية برئاسة غابريال ووزارة الداخلية برئاسة دو مازيير إلى الولايات أن إعادة تقييم الوضع غير ممكنة. تبدو الرسالة الآتية من برلين واضحة: يجب أن تستمر موجة الترحيل.يُعلّق حزب الخضر آماله الآن على مارتن شولز، مرشّح «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» لمنصب المستشارية الألمانية. تقول مصادر مقرّبة منه إنها تلقت إشارات مفادها أنه قد يحمل رأياً مختلفاً عن غابريال. في مقر «الحزب الديمقراطي الاجتماعي»، انتشر استطلاع رأي يثبت أن ثلاثة أرباع الألمان يدعمون ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين إذا كانوا مجرمين أو يطرحون تهديداً محتملاً لكن تقتصر نسبة الألمان الذين يوافقون على ترحيل جميع مقدّمي الطلبات المرفوضين إلى أفغانستان على %20.على عكس ألبريغ في ولاية «شليسفيغ هولشتاين»، يعتبر وينفريد كريتشمان، حاكم ولاية «بادن فورتمبيرغ» الذي ينتمي إلى حزب الخضر ويحكم إلى جانب حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» المحافظ، أن الوضع الراهن لا يسمح بوقف الترحيل. قال حديثاً خلال اجتماع حزبي: «نحن نُعتبَر دولة قانون لأننا نطبّق القوانين».لكن قد يكون إيجاد الشخص المناسب للدفاع عنا أهم من القوانين أحياناً. كان نادر درابي (غيّر المحررون اسمه لحماية هويته) الذي جاء إلى ألمانيا قبل ست سنوات واعتنق المسيحية هناك يجلس في حافلة ويتجه إلى طائرة في «فرانكفورت» في 14 ديسمبر. لكن سمحت له الشرطة فجأةً بالخروج من المطار فصعد على متن قطار للعودة إلى «سينشيم». يقول درابي: «الله حماني!». لكن كانت الكنيسة هي التي حَمَته عملياً: تدخّل الأسقف البروتستانتي الإقليمي في «بادن» ودعمه أمام الحكومة في «شتوتغارت».تشكّل أفغانستان مثالاً ممتازاً عن الوضع القائم. تعتبر الحكومة الألمانية بعض أجزاء البلد غير المستقر آمنة بما يكفي كي يعود إليها طالبو اللجوء المرفوضون، وتتمسّك برلين بموقفها هذا.تعكس عمليات الترحيل إلى أفغانستان رسالة مهمّة من المستشارة أيضاً. طوال سنوات، كان ترحيل الناس إلى ذلك البلد لا يحصل إلا في ظروف استثنائية. لكن منذ شهر ديسمبر العام الفائت، أطلقت ألمانيا ثلاث طائرات على متنها 77 شخصاً للعودة إلى أفغانستان، ويجري العمل على تنظيم رحلات أخرى على أمل أن يفهم آلاف الأفغان الآخرين حقيقة الوضع ويقرروا الرحيل طوعاً.يعمد بعض الولايات الألمانية التي يقود كل من «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» وحزب الخضر حكوماتها، بما فيها بريمن وساكسونيا السفلى وبرلين، إلى مقاطعة عمليات الترحيل الجماعية التي تنظّمها الحكومة الوطنية مع أن القانون الاتحادي يطالبها بتنفيذ القرار.في بافاريا، جنوب ألمانيا، يحمل السياسيون رأياً مختلفاً بالكامل. يعتبر ماركوس سودر، وزير الشؤون الداخلية في الولاية، أنّ ترحيل أقل من 20 أفغانياً إلى بلدهم الأم قبل أسبوعين «مهزلة» حقيقية. لو استطاع تنفيذ ما يريده، كان ليضع آلاف الناس على متن الطائرة. في بافاريا، بدأت تدابير الترحيل تؤثر أيضاً في الشباب المندمجين في المجتمع.
تحديات المحكمة العليا
تصل أعداد متزايدة من قضايا الترحيل إلى المحكمة الدستورية التي تستطيع التدخل باعتبارها الملجأ الأخير في قضايا اللجوء.تعتبر المحكمة قضايا الترحيل إلى أفغانستان مسألة حساسة جداً. تسلم القاضي أولريتش مايدوفسكي قضية اللاجئين في المحكمة. وصلت إليه أكوام من الملفات التي تشتق من إجراءات قانونية عاجلة تتكدّس على مكتبه وفي جواره. قبل انضمامه إلى المحكمة الدستورية عام 2013، كانت القضايا المرتبطة بقانون اللاجئين تقتصر على 27 قضية. لكن خلال هذه السنة وحدها، تخطى عددها عتبة المئتين. لما كان القضاة المسؤولون عن القضية لا يعرفون موعد تنفيذ عمليات الترحيل، فتزداد المصاعب التي يواجهونها لأنهم لا يحصلون إلا على ساعات قليلة كي يراجعوا قضايا متعددة. يتمنى مايدوفسكي أن تنذره السلطات قبل أيام من عمليات الترحيل العالقة. يقول إنه بات مضطراً إلى الاتكال على الإشاعات، حتى أنه ما عاد يخطط للعطل وأمر موظفي الاستقبال في المحكمة بإيقاظه ليلاً إذا وصلت أية قضية جديدة.أمضى مايدوفسكي أربع سنوات من طفولته في كابول حيث كان والده مدير مدرسة، ثم تابع التواصل مع معارفه في أفغانستان. لذا يدرك مدى اضطراب الوضع هناك وحجم المشاكل التي ربما تنشأ إذا لم ترتكز قرارات المحاكم على أحدث التقارير الميدانية.في ثلاث قضايا مختلفة منذ ديسمبر 2016، أصدرت المحكمة قرارات مؤقتة ضدّ ترحيل الناس إلى أفغانستان، فأثبتت بهذه الطريقة أنها تراقب الوضع عن كثب. تخطط المحكمة لإصدار أحكامها النهائية في مختلف القضايا قريباً. لا يتوقع المراقبون منها أن تفرض حظراً شاملاً على عمليات الترحيل إلى أفغانستان لكن من المستبعد أيضاً أن تُسَهّل المحكمة عمل السياسيين.