مكتبات عامة أم مخازن مهملة؟
مما ينسب إلى ابن المقفع أنه قال: "كل مصحوبٍ ذو هفوات، والكتاب مأمون"... مهما تقدمت وسائل الاتصال الحديثة، وتيسرت لطالبي المعرفة طرق الحصول عليها من خلال ضغطة زر عبر الشبكة العنكبوتية، تبقَ للكتاب والمكتبة مكانة ثابتة لخصوصية الكتاب، وربما لا يخلو طابور انتظار في الدول المتقدمة من أشخاص يشغلون وقتهم بقراءة كتاب، لذلك تهتم كل دول العالم بإنشاء المكتبات الوطنية الكبرى التي تضم بين جنبات رفوفها آلاف المؤلفات والمخطوطات في شتى علوم المعرفة. وفي الكويت منذ النشأة الأولى كانت للكتاب أهمية، وللمؤلف مكانته الخاصة في المجتمع، وكان المجتمع شغوفاً بالقراءة ومتابعة آخر الإصدارات، لذلك كانت مخططات الضواحي والمدن الجديدة لا تخلو من مبنى يخصص كمكتبة عامة حتى هذا اليوم، وكانت تزود بأحدث الإصدارات من الكتب والدوريات، وأتذكر جيداً ذلك الإقبال الذي كانت تحظى به تلك المكتبات، ولكنه للأسف الشديد بدأ ينحسر بشكل سريع مع ظهور الثورة المعلوماتية السريعة بما تحمله من غث وسمين، حتى أصبحت هذه المكتبات خاوية على عروشها، وهجرها روادها، فأصبحت تندب حظها، وهنا أتذكر بحسرة قول شوقي:
أنا من بدّل بالكتب الصحابا لم أجد لي وافياً إلا الكتاباصحبة لم أشْكُ منها ريبةووداد لم يكلفني عتاباوقد زرت بعض المكتبات العامة فوجدتها للأسف الشديد لا تشم منها إلا رائحة الغبار، ولا تشاهد فيها إلا العنكبوت وقد نسجت خيوطاً هنا أو هناك، وأغلبية الكتب والدوريات أكل الدهر عليها وشرب، وغالبها منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، حتى الموظفون لم أجد في بعض المكتبات منهم إلا حارساً للأمن، مهمته تقديم سجل الزيارة، أو موظفاً واحداً أحياناً، وقد اتضح لي أن مرد ذلك للسياسة العامة للدولة وعدم تشجيع القراءة، خاصة بعد انتقال المسؤولية للمجلس الوطني للثقافة والفنون، وهذا لا يعفي وزارة التربية من المسؤولية التي تسلمتها عشرات السنين، بينما مسؤولية المجلس الوطني بدأت منذ سنة.الوضع مُزرٍ جداً، وعلى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب أن يعد دراسة عن جدوى وجود هذا العدد من المكتبات، وهذا الجيش الجرار من الموظفين، لاسيما مع التوجه الحكومي نحو التقشف واستغلال المواقع في أنشطة مجتمعية أو معارض فنية أو حتى صالات أو صالونات ثقافية تعود بالمنفعة العامة، أما الوضع الحالي لبعض المكتبات فيمثل هدراً للإمكانات والطاقات في زمن صعب، والحافظ الله يا كويت.