اختزال - زمن - المسافات!
نشر
في 18-03-2017
آخر
تحديث 18-03-2017 | 00:20
بينما كنت في القطار، الذي يقطع المسافة بين بريطانيا وفرنسا تحت الماء في أقل من ثلاث ساعات، خطرت لي فكرة هذا المقال للوقوف على محاولات الإنسان وسعيه إلى اختزال المسافات الزمنية في التاريخ البشري منذ الحضارات الأولى، التي وجدتها لم تتجاوز ركوب الحيوانات، أو جعلها تجر العربات، بعد أن أُضيفت إليها العجلات، من هنا جاءت ضرورة اكتشاف العجلة... إلى جانب الاعتماد على اتجاه الريح في دفع السفن المبحرة.***• ولكن مغامرة إنسان ما بعد الثورة الصناعية لقهر المسافات، بدأت بإنجاز العجلة الهوائية، وما بعدها، وصولاً إلى السيارة حتى دخل الأخوان رايت التاريخ بعدما حلّقا في الجو عشرين دقيقة وقطعا خلالها مسافة عشرة أميال، ثم تطور الأمر إلى الأقمار الصناعية التي حملت الإنسان إلى الكواكب الأخرى.• بعد قراءات متنوعة في هذا الموضوع وقفت أمام حدث مؤثر في هذا السياق بدأ عام 1909 عندما قرر الطيار الفرنسي "لويس بليرو" أن يقهر بحر المانش ليقطع المسافة من ميناء كاليه الفرنسي ليصل إلى ميناء دوﭭر البريطاني جواً، والتي تقدر بأربعين كيلومتراً... ولنطلع على بعضٍ من مذكراته:"رصدت جريدة الديلي ميل الإنكليزية مبلغ 25 ألف باوند لمن يعبر بحر المانش جواً من ميناء كاليه الفرنسي إلى ميناء دوﭭر البريطاني... وكان وقع هذا الخبر على زوجتي كبيراً، حيث بادرتني وهي تحمل الجريدة: - لويس هل أنت مستعد؟!- لأي شيء؟- أن تطير إلى بريطانيا.- ولماذا أقوم بهذه المغامرة الخطيرة؟!- لأنني أريد ذلك.- حاضر.- أسرع قبل أن تضيع الفرصة ويقتنصها غيرنا. • وبعد الاستعدادات اللازمة ركب لويس "الناموسة"، وهو الاسم الذي أطلقه على طائرته... في هذه الأثناء شاهده أحد زملائه في ميناء كاليه، فقال له:- ماذا تصنع يا لويس؟!- سأطير بالطبع.- إلى أين؟!- إلى دوﭭر.- ماذا؟!... تطير من كاليه إلى دوﭭر عبر المانش؟!... هل جننت يا سيد بليرو؟!- لا، أنا بكامل قواي العقلية.- وما الذي يرغمك على مثل هذه المغامرة الخطيرة؟!- زوجتي...***• وطارت "الناموسة" يقودها لويس بليرو ليسجل التاريخ اسمه كأول من قطع بحر المانش جواً، ومما قاله في مذكراته: "كنت أنظر إلى البحر فأشاهد سفينة صغيرة ترسل إلي من مدخنتها دخاناً أسود، إنها، بلا شك- عروس المانش- التي تركبها زوجتي مع بعض الصحافيين ممن يتابعون المغامرة الأولى في عبور المانش جواً، ورغم أنني أستطيع الطيران بسرعة 70 كيلومتراً في الساعة، فإنني لم أفعل ذلك لمتابعة السفينة التي تحمل زوجتي. انتابني الرعب عندما مررت فوق صخور دوﭭر الشمالية، إذ تذكرت كيف مات عندها (الملك لير) في مسرحية شكسبير، لكنني، من حسن الحظ، هبطت بخفة عجيبة... كما قالت لي زوجتي بعد أن تسلمت مبلغ الجائزة:- إنك سعيد الحظ بزواجك مني يا لويس".
