الاقتصاد البريطاني يحقق أرقاماً قياسية جديدة
أفضى معدل التضخم المتدني بصورة غير معتادة منذ سنة 2014 إلى تحسن نمو الدخل الحقيقي، ولكن التعافي الذي شهدته أسعار النفط وقلة المستوردات نتيجة هبوط قيمة الإسترليني بعد البريكست يعنيان أن هذه الفترة وصلت إلى نهايتها.
خمسة عشر عاماً مرت من دون زيادة في الأجر وهي أطول فترة من الضغط على الأجور الحقيقية منذ انتصار نيلسون على نابليون في معركة الطرف الأغر، ويمثل ذلك سنوات ضائعة من نمو الانتاجية. وتتسم الفكرة وراء تحليل ما بعد الميزانية الذي طرحه مركزان بارزان للتفكير في بريطانيا، في تفسير تلك الظاهرة بقدر كبير من البساطة، حيث يستمر الاقتصاد البريطاني في تحطيم أرقام قياسية ولأسباب غير منطقية على الاطلاق في معظم الأحيان.ولم يتمكن معهد الدراسات المالية ومؤسسة القرار من سبر أغوار الجدل السياسي في الوقت الراهن والذي تمثل في قرار فيليب هاموند حول رفع مساهمات التأمينات الوطنية من ذوي المهن الحرة، وقد اعتبر ذلك القرار خطوة تقدمية صغيرة نحو ربط التعامل بين الموظفين وذوي المهن الحرة في البلاد.
وقال بول جونسون وهو مدير معهد الدراسات المالية إن هاموند أقدم على ما يبدو على الابتعاد عن التزام المحافظين ولكن أنحى باللائمة على الحكومة البريطانية لأنها قدمت ذلك الالتزام "السخيف" في المقام الأول.وقد ركز معهد الدراسات المالية ومؤسسة القرار على الصورة الأكبر والتي تتمثل في أداء المملكة المتحدة خلال الفترة منذ بداية الركود في سنة 2008 وما يحتمل أن يحدث في الأعوام العشرة المقبلة.وأشار جونسون الى مدى سوء أداء الانتاجية في اقتصاد المملكة المتحدة منذ سنة 2008، ويعتمد النمو في مستويات المعيشة على التحسن الذي يمكن أن يتحقق في الانتاجية والذي كان بشكل متوسط خلال السنوات التي سبقت الأزمة المالية العالمية في سنة 2008 أكثر من 2 في المئة في السنة. وخلال الأعوام التسعة منذ سنة 2008 – لاحظ جونسون – كان دخل الفرد قد حقق نمواً بمعدل 2 في المئة بصورة اجمالية. وأشار جونسون الى أن ذلك يعني نسبة نمو في تسع سنوات تعادل ما يمكن تحقيقه في العادة خلال عام واحد فقط، والأكثر من ذلك أن النمو في الانتاجية الذي ضاع لن يستعاد مطلقاً، ويرجع ذلك الى أن مكتب مسؤولية الميزانية يعتقد أن المملكة المتحدة لم يعد لديها طاقة استيعاب احتياطية وهو ما يعني أن الاقتصاد لا يستطيع النمو بصورة أسرع من دون احداث درجة من التضخم. وبحسب جونسون فإن "ما يقوله مكتب مسؤولية الميزانية هو أنه على الرغم من ذلك السجل القاتم حقاً فإن كل الانتاجية – ومعها نمو المكاسب – التي كنا نتوقعها في العادة قد فقدت الى الأبد". ويضيف: "تظل هذه القصة الأكبر في العقد الماضي: عقد من الزمن من دون نمو ولا سابق له في العصر الحديث في المملكة المتحدة ". وقد أفضى معدل التضخم المتدني بصورة غير معتادة منذ سنة 2014 الى تحسن في نمو الدخل الحقيقي ولكن التعافي الذي شهدته أسعار النفط وقلة المستوردات نتيجة هبوط قيمة الجنيه الاسترليني في ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني أن هذه الفترة قد وصلت الى نهايتها. ويقول معهد الدراسات المالية إن التوقعات الحالية تشير الى أن متوسط الأرباح الحقيقي لن يكون في سنة 2022 أعلى مما كان عليه في عام 2007.وقال جونسون: "بعد خمسة عشر عاماً من دون زيادة في الأجر أنا أشعر بضياع بالنسبة الى وصف أكثر دقة، وهذه حالة غير مسبوقة على الاطلاق ".
عقد سيئ لذوي الرواتب العالية
تعرض أصحاب الدخل العالي الى أوقات صعبة بصورة نسبية مع هبوط مكاسبهم الحقيقية بنسبة تصل الى 12 في المئة خلال عامي 2015 – 2016 عما كان عليه الحال عند بدء موجة الركود الاقتصادي. ويقول تورستن بيل وهو مدير مؤسسة القرار إنه من الممكن أن تجد عقداً من الزمن على قدر من السوء بالنسبة الى الموظفين يعادل حقبة 2010، ولكن يتعين عليك العودة الى الماضي عندما كان وليم بيت ذي يونغر رئيساً للوزراء للعثور على مثل ذلك العقد. وتركز مؤسسة القرار على الشريحة ذات الدخل المتدني والمتوسط، وهي مجموعة تعتبرها معرضة للتضرر بصورة خاصة في السنوات المقبلة، ويعني ضعف نمو الأجر وخفض نسب المنافع والمزايا أنه بالنسبة إلى الفئة الأشد فقراً التي تشكل ثلث عدد العائلات فإن النصف الثاني من حقبة الـ2010 سوف يكون بشكل فعلي أشد قسوة من النصف الأول، ويوافق معهد الدراسات المالية على ذلك، وقد لاحظ أن التغيرات في الميزانية التي أعلنت من جانب فيليب هاموند تقل قيمتها بالمقارنة مع تلك التي أعلنها جورج أوزبورن قبل أن تقرر رئيسة الوزراء تيريزا ماي طرده. وكان وزير الخزانة البريطاني السابق، الذي يتقاضى في الوقت الراهن 650000 جنيه استرليني سنوياً، في مقابل أربعة أيام عمل في الشهر لدى مدير الصندوق بلاك روك، كان قد دفع من أجل تحقيق خفض في المنافع والمزايا بشكل يعني أن البعض من العائلات سوف تحصل على دخل يقل 7000 جنيه استرليني في السنة.
الاقتصاد البريطاني يستمر في تحطيم أرقام قياسية لأسباب غير منطقية في معظم الأحيان