ما حدث مؤخراً في سوق المباركية من إضراب، بسبب ما سمي بزيادة إيرادات أملاك الدولة، هو مثال آخر بعد عشرات الأمثلة لفشل عمليات الخصخصة في الكويت وآثارها الاجتماعية والاقتصادية السلبية، كما حدث في بيع محطات الوقود، وتسريح عشرات الموظفين الكويتيين منها، وتحويل مصانع الأسفلت إلى القطاع الخاص، وما نتج عنه من نوعية سيئة تتطاير حصاها على السيارات، وكذلك تحويل مطار الكويت إلى "قيصرية" محلات، وتبعاته من فلتان أمني وفوضى في المطار.كما أن ما حدث في "المباركية" يبرز مدى تخبط الحكومة في قضية الإصلاح الاقتصادي، وتوجه من بيده القرار إلى الأضعف ليجني منه المال بدلاً من المستفيدين الأكبر من ثروة البلد، فمرة يزيدون أسعار الوقود ليجنوا مبالغ متواضعة، أو يبحثون في ملفات المعاقين ليجدوا 300 ألف دينار مفقودة، ومرة أخرى يلاحقون الأرامل والمطلقات ليخفضوا مساعداتهن، أو يضعون عدادات ماء وكهرباء ذكية ليجعلوا رب الأسرة معسكراً عند العداد بكرت التعبئة، بينما العديد من الدول رفضت تطبيقه لأسباب اجتماعية حتى في أوروبا، بينما ذلك المسؤول عن الإصلاح الاقتصادي لا يرى مواقع الهدر والتبذير الحقيقية في البلد.
المشكلة أن أصحاب محلات المباركية، الذين يعتمدون على بيع الملابس الشعبية "قحافي، سراويل، شباصات... إلخ"، هم من سيدفع ثمن العجز، أما من يسبب الهدر ويعلم الناس التبذير في "المولات"، عبر بيع حقائب نسائية وساعات وكماليات بآلاف الدنانير، فلن تفرض عليه ضريبة أو رسوم، وكذلك صاحب "المول" نفسه، الذي يدفع للحكومة مبالغ متواضعة مقابل تأجيره للمتر المربع بمئات أضعاف ما يقدمه للدولة!النائب عبدالكريم الكندري ذكر في جلسة سابقة لمجلس الأمة أرقاماً لصفقات تسليحية بمليارات الدنانير، ربما لا يحتاجها البلد، فيما بنود الهدايا في ميزانيات جهات سيادية تبلغ الملايين من الدنانير، وعلى نفس المنوال في القطاع النفطي هناك مئات الملايين تهدر في مناقصات ملعوب بها، كمناقصة الأنابيب النفطية وخلافها، والمليارات المهدرة والمنهوبة في المناقصات العامة بالدولة، والأوامر التغييرية الخاصة بها هي كنز مغارة علي بابا لمن يملك كلمة السر لفتح أبوابها، والمزارع الحكومية والأراضي الصناعية التي تمنح للمحظوظين، ومناقصات شراء الأدوية والتجهيزات الطبية المتضخمة أسعارها مقارنة بدول المنطقة.كل ما ذكر سابقاً هو بعض مواقع الهدر الحقيقية والدسمة التي يمكن أن تقضي على العجز تماماً، إضافة إلى تحصيل الدولة حقوقها من الأموال التي ترسل للخارج، عبر فرض الرسوم أو الضرائب عليها، هذه هي مواقع الحل العاجل لعجز الميزانية العامة الذي تدعيه الحكومة، والتي يجب أن تلحقها عملية إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، والانطلاق لخلق موارد إضافية للدولة، وليس عبر استغلال شعار الإصلاح الاقتصادي لتصفية البلد وبيع أصوله بأبخس الأثمان حتى التراثي منها، والذي لا تفرط فيه الدول وتحافظ عليه.
أخر كلام
«قحافي وسراويل» المباركية ستسدد العجز!
19-03-2017