لأول مرة يبلغ الحديث عن «إعلان دولة كردستان»، وانفصالها عن العراق، هذا المستوى الجدي في النقاشات اليومية، بين الناس وفي أوساط الفاعلين السياسيين، خلال الشهور الماضية.

ورغم أن حلم إنشاء الكيان المستقل يعود إلى الحرب العالمية الأولى، فإن سقوط نظام صدام حسين جعل الأكراد العراقيين يحصلون على امتيازات هائلة، ويتركون الجدل حول الاستقلال، لكن ذلك بدأ يتغير بإيقاع متسارع.

Ad

فالتحولات السياسية العميقة في المنطقة جعلت الأكراد يخسرون نفوذهم في بغداد تدريجياً، إذ بدأت الطبقة السياسية الشيعية، منذ خروج الجيش الأميركي عام 2011، في «تحجيم نفوذ الأكراد»، ووصل الأمر عام 2013 إلى حرمانهم من حصتهم في الموازنة المالية، حيث بدأت أزمة مرتبات الموظفين الخانقة ولم تنته حتى يومنا هذا.

ويقول المسؤولون في الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يتزعمه رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، المعروف اختصاراً بـ«البارتي»، إنهم يشعرون بيأس كامل من إمكانية إصلاح العلاقات مع بغداد داخل حكومة شراكة، كما يعربون عن اعتقادهم بأن العلاقة بين السنة والشيعة ستبقى متوترة جداً، وأن الأفضل للأكراد أن «يغادروا البيت الزاخر بالمشاكل» ويعلنوا استقلالهم. وتشير مصادر مطلعة إلى أن بارزاني كاد يسحب كتلته من البرلمان العراقي لولا زيارة قام بها أخيراً زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، تضمنت وساطة وطلب تفهم للظروف الحالية في بغداد.

غير أن الأكراد في الوقت ذاته لا يريدون أن يتم الانفصال بطريقة عنيفة، ويكرر رئيس الإقليم، أخيراً، أن الحدود الجديدة «يجب أن ترسم بالحوار لا الدم»، ويعلن مساعدوه مراراً أن العلاقة مع العراق العربي «استراتيجية» بالنسبة إلى دولة كردستان القادمة، التي تحتاج إلى السوق العراقي في تجارتها كمعبر نحو أوروبا، حيث تقع على حدود تركيا، كما لا تخفي رغبتها في تصدير النفط الكردي عبر أنبوب يمتد نحو البصرة والخليج، وهو ما يتطلب استمرار العلاقات «الطيبة» بين الجانبين. وبغض النظر عن موقف بغداد أو عواصم المنطقة من طموح إعلان الدولة فائق الحساسية، ومختلف المصاعب التي تقف دون تحققه، فإن البيت الكردي يعاني انقساماً شديداً طوال العامين الأخيرين، بدرجة تجعل إعلان الدولة المفترض ناقصاً وجزئياً جداً، حيث يهيمن حزب الرئيس السابق جلال الطالباني على نحو نصف مساحة كردستان العراق المفترضة، ونصف ثروتها النفطية في كركوك. ويعتقد المعارضون الأكراد أن حديث أربيل عن الدولة المستقلة «في غير أوانه»، ولن يستطيع تكوين دولة مستقلة إلا في مدينتي أربيل ودهوك فقط، ما يجعلها كياناً ضعيفاً من السهل هزيمته أو محاصرته من قبل منافسيه التقليديين في بغداد وطهران وغيرهما.