«الإسكوا»... الاستقالة والعنصرية
العنصرية والتمييز وإلغاء الآخر هي أمراض اجتماعية أكثر فتكاً بالبشر من السرطان والطاعون.لن يستقر العالم مهما حاولنا تجميله، مادامت هناك عنصرية وتمييز ونظرة دونية، أياً كان منطلقها، عرقياً، أو دينياً، أو لغوياً، أو مناطقياً، أو جنسياً، أو لونياً، أو مادياً، أو لأي اعتبار آخر.لم يبدأ العالم، حتى من حيث الشكل، الخروج من زمن العنصرية والتمييز التقليديين، إلا منذ فترة قريبة في تاريخ البشرية، سواء بإلغاء العبودية، أو إدماج الفئات المهمشة لتأخذ موقعها في المجتمعات. كان واضحاً أن الحربين العالميتين قد ارتكزتا، ضمن عناصر أخرى، على دوافع تفوُّق عنصري مزعوم من هذا المجتمع على مجتمع آخر.
وفي حين نشكو مر الشكوى في بلادنا من التمييز الغربي ضدنا كعرب وكمسلمين، فإننا نمارس العنصرية ذاتها والتمييز، وربما بشكل أشد، ضد أقوام أخرى، بالحجج ذاتها، ومن ثم نزكي أنفسنا.ومن ضمن الممارسات التي استمرت حتى فترة قريبة كانت نظام التمييز العنصري، أو "أبارتايد" الذي كان مطبقاً في جنوب إفريقيا، والذي يتماهى معه، وإنْ بشكل أكثر مراوغةً، النظامُ الصهيوني في إسرائيل.وبالتالي جاء التقرير المدعّم والموثّق من منظمة الإسكوا ليؤكد تلك الحقيقة، لا غير، وربما يسهم في رفع الوعي العالمي بحقيقة العنصرية والتمييز الصهيوني، ضد الفلسطينيين.وعلى الرغم من الضغوط التي مورست على مديرة "الإسكوا" ريما خلف، لسحب تقريرها عن "إسرائيل والأبارتايد" من على الموقع، ومن ثم رسالتها المعبرة، واستقالتها؛ فإن تلك التداعيات مفيدة، خاصة أنها جاءت مصادفة في الذكرى المئوية لـ"إعلان بلفور"، وكأن تلك الإثارة جاءت إعلاناً بأن قضية فلسطين باقية، تقض المضاجع، ولن تنسحب أو تتوارى لا في المدى المنظور أو حتى البعيد.فمنذ تزايد الهجرة اليهودية/الصهيونية إلى فلسطين، بعيد الحرب العالمية الأولى، وتداعيات الثورة الفلسطينية ١٩٣٦، وقرار التقسيم ١٩٤٧، وإقامة الكيان الصهيوني بدعم القوى الكبرى على أرض فلسطين، وما تلا ذلك من أحداث إلى يومنا هذا، كانت القضية الفلسطينية زائراً أثيراً لأروقة الأمم المتحدة، وكانت القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، منتصرة حيناً ومهزومة حيناً. وهي تحكي حكاية واحدة وتشير بأصابعها في اتجاه واحد، هو أن قضية فلسطين (كقضية ظلم فادح، وتمييز فاضح، وعنصرية بغيضة) ستظل باقية في الأروقة الدولية، حتى مع ضعف أصحابها، ولن تخرج من هناك إلا مع الاتفاق على حل عادل، يلغي ذلك التمييز وتلك العنصرية بشكل يتفق مع المعايير الدولية الإنسانية، ويتجاوز حالة النفاق الذي تمارسه الدول التي تعلن إنسانيتها، دون التزام بها.