تتداول الأوساط السياسية والإعلامية العراقية هذه الأيام، ورقة مصالحة منسوبة إلى القوى السنية، وتتصاعد ردود الأفعال المستغربة لبعض فقراتها التي ستؤدي إلى تصادم مباشر مع مصالح الدول الكبرى في حقل الطاقة، ومع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن ما أسمته «آثار الاحتلال الأميركي»، إضافة إلى تصادمها مع «الحليف الكردستاني» بشأن تفاصيل تخص المناطق المختلطة والمتنازع عليها شمالي البلاد.

لكن مصادر مقربة من أبرز القادة السّنة سارعت، في أحاديث خاصة، إلى نفي الاتفاق على الصيغة المنشورة، خصوصاً الفقرات التي تؤدي إلى تصادم مباشر مع حلفاء غربيين ومحليين، فضلاً عن وجود بنود غريبة تلبي رغبات قوى سياسية وميليشيات شيعية مقربة من إيران، كالدعوة إلى تغيير النظام الرئاسي من «البرلماني» الحالي الذي يضمن تشكيل حكومات توافق من كل الأطراف، إلى «رئاسي» يضمن ظهور قائد شيعي بصلاحيات كبيرة تؤدي إلى تهميش دور باقي الأطراف والمكونات العرقية والمذهبية.

Ad

وطالبت الورقة المتداولة بإلغاء عقود الاستثمار مع عمالقة البترول السبعة الذين يسيطرون حالياً على أكبر حقول البصرة ومناطق أخرى، في تصادم معلن مع الدول الكبرى المالكة للشركات.

وتذكر مصادر مطلعة أن هذا البند «بند بعثي» أُقحِم في الورقة، وترفضه القوى السنية الرئيسة التي تحرص على علاقة جيدة بالمحيط الدولي لموازنة النفوذ الإيراني في البلاد، مثل رافع العيساوي وأسرة النجيفي ورجل الأعمال خميس الخنجر الذين يعكفون على بناء مظلة سياسية جديدة تفاوض بغداد.

كما أن البنود الأخرى المستغربة، حسب المصادر، تعود إلى أطراف سنية متحالفة حالياً مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي المقرب إلى طهران.

ويتضمن بند آخر مطالبة واشنطن بتعويض مالي لمَن تضرر مما أسمته الورقة «الاحتلال الأميركي»، كمن تهدمت داره أو فقد حياته... إلخ، وهو تصادم معلن مع الولايات المتحدة لن توافق عليه القوى السنية الرئيسة المراهنة على دور الرئيس الجديد دونالد ترامب في موازنة الدور الإيراني خلال مرحلة ما بعد «داعش».

وتضيف المصادر أن الورقة يجب أن تخضع لتعديل كبير بالتنسيق مع الأمم المتحدة وحلفاء محليين ودوليين، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنها تنطوي على مطالب أخرى معقولة ومهمة، تكشف نوع المشاكل العميقة التي يجب التعامل معها وصولاً إلى الاستقرار، كالبنود التي تدعو إلى تصحيح إجراءات الاعتقال العشوائي، والسجون غير القانونية، والتغيير الديموغرافي بتهجير بعض القبائل من مناطقها، فضلاً عن استئناف منح وثائق السفر لمَن حُجِبت عنهم، حيث لا يمتلك نحو 12 ألف عراقي، معظمهم من عوائل سنية بارزة، جوازات سفر، إلى جانب خلافات تتعلق بالأوقاف وملكية دور العبادة، وأخرى تتصل بمصادرة منازل وملكيات عقارية كبيرة.

ولأول مرة منذ سقوط نظام صدام حسين قبل 14 عاماً، يعترف القطبان الشيعي والسني بضرورة إعادة بناء الثقة بنحو جذري، وتصحيح متبادل للأخطاء لوقف الانهيار الذي أدى إلى خسارة ثلث البلاد لمصلحة «داعش»، حيث قدم عمار الحكيم زعيم المجلس الأعلى الإسلامي مبادرة للتسوية، لحقه بعد ذلك مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، وفي موازاتهما طرح رئيس الحكومة حيدر العبادي مبادرة «السلم الاجتماعي»، بينما يقدم السّنة أكثر من مبادرة معظمها تتصف بتهدئة «غير مسبوقة»، وتنطوي على تقدير للظروف المأساوية التي تعيشها المدن السنية، حيث ويلات الحرب والدمار والتهجير، انتظاراً لنهاية «داعش» في معارك الموصل التي توشك أن تُحسَم.