أدباء يرصدون مشاعرهم تجاه أمهاتهم وفقاً لتجاربهم الشخصية

نشر في 21-03-2017
آخر تحديث 21-03-2017 | 00:05
يترجم الشعراء والأدباء مشاعرهم تجاه أمهاتهم وفقاً لتجاربهم الشخصية، فيبثون عبر نتاجهم الأدبي ملامح من مواقف تركت أثراً في نفوسهم، ويرصدون العطاء والبذل والتضحية منتقين لغة تتلاءم مع مفردات الحب والمودة وتنسجم مع حجم العلاقة الخاصة جداً التي تربط بين الطرفين.
«الجريدة» رصدت مجموعة نصوص أدبية جاءت فيها العاطفة تجاه الأم مختلفة تماشياً مع الحدث الذي نسجه الكاتب أو صاغه الشاعر. وفيما يلي التفاصيل.
تنسج الكاتبة استبرق أحمد تفاصيل نص عن والدتها بعنوان «أكره الأشياء الواقفة في غرفة 9 / جناح 7». وبمزيد من الألم وبكثير من العاطفة تجاه والدتها تعلن استبرق كراهيتها للحظات الحرجة التي عاشتها أمها على السرير الأبيض، وتقول ضمن هذا السياق: «لها بلادتها المزعجة، صفاقة لونها الأبيض المحايد، ولي وقوفي الوجل ولوني الخائف. الباردة، تغرز وجودها بوقوفها عارية من شفقة، أراها بعينين تتقافز فيهما وحوش الكآبة، في قلبها: ثرثرة علب قليلة، صاخبة بسوائلها، ترتج كلما مدت إحدى المتشابهات/ الممرضات يدها إلى حفرة الصقيع، رائحة فصل وحيد، جافة، ناشفة إلا من رجفة الأسلاك».

وتمضي استبرق في رصد مشاعرها المضطربة وتصف ما يعتصر قلبها: «منكمش على ذعر، مستباح بالخرائب، تطلّ خشونة الأسى، ديدان الهلع، احتدام الفزع، مرايا نحيب مخنوقة، كائنات الوحشة المُهشـِّمة تهدمه، تدكه، تثقبه، وتظلّ تفرّ منه الرجاءات... في الزاوية القصوى من الغرفة تقبعين، لا شيء يلعن بلادتك، خرسك الهائل... في زوايا الأقرب، فمي تفرّ منه رجاءات مرارة وغربة، أظل محدقة بك. تــُدعين، نقطة أو جهة في الغرب... west point، بعيداً عن الشمال، عن قلبها النابض بالذبول، بتقطع تنهيداته، على مخدة تسند أملها... كيف تسللت برودتك إليها...؟!

ياااه... أيتها الثلاجة كم أكرهك. بلونك الطولي الأحمق مشمولاً بـ«البيج»، محشو بثياب شحيحة... للمرأة التعبة، الخائرة بالأبيض، المرأة الجميلة بابتساماتها الفاتحة، بقبعتها الطبية الخضراء/ الزرقاء... برنين دعائها المسمّر كصوفية» بـ«الله... الله... الله» وتحديقاتها إلى الأعلى... في جوفك أيها الدولاب حقيبة جديدة ماركة «بربريز» تحبها المرأة/ الأم، ثوب بنفسجي، آخر بلون يستجدي البهجة، ألوانها الصادحة فرحاً... لا تشع.

المرض المستعر

تشعر استبرق ببرودة غير معتادة عليها فهي ناتجة عن فقدان حرارة لقاء الأم، بينما تستعر الكلمات لكن الجوف بارد ومنهك وتشرح في هذا الصدد: «ثلاثة بطانيات: حمراء، بيضاء بورود حمراء، بنفسج أيضاً... جميعها رموز حرقّة لم نتبينها... ملابسها لا ترتديها... أحزاني لا أخلعها... بجواري أخوة يكدسون الطمأنينة بروحي... من أجل الأم الجميلة... ولا رماد يخمد المرض المستعر، لا شيء يهب الوريد العافية.

ببابك الموارب على خيبات كيف فُتح باب آخر للعبور؟ المرأة/ الأم المنهمر حبها مغرقاً ممرات الروح، كإعصار «توسونامي» يزيح بلاطات الخطأ، وخيبات الجهات، محتضناً أجنة العشق... وأسئلة ابنتها أعلاه باستفهاماتها المرتبكة وإجاباتها السخيفة «ها يمّه إشلونج اليوم... أحسن؟». شاهد على عذابات الأم، ظلت تضخ السوائل كدفق سؤال ابنتها وأنتما تعرفان الإجابة... المرأة / أمي الكريمة كشجرة «النخيل»، الشاهقة العالية كقمة «الهمالايا»، الذاكرة كـ«لقمان»، الحكيمة كـ«آسيا»، الحنون كلحن لا يمكن وصفه.

تتوق إلى ماء يبلل ريقها العذب، ووجبة تراءت يوماً هي «طبخة ابنها» ووعد بتذوقها... لم يفه أحد. أمي التي على غفلة نام الأمل وغفت الأمنيات... توقفت عن سؤالنا عن قصائد الشفاء... أمي التي ربما كرهت الثلاجة، الدولاب، جهاز التغذية وأسلاكه، ومصائد الغياب... أشفقت علينا فما أخبرتنا عن كهوف العماء، عن الفاجعة التي التهمتنا.

رباطة الجأش

وفي مشهد آخر، للأم ومدى رباطة جأشها يكتب الروائي الكبير إسماعيل فهد إسماعيل عن «أم قاسم» في روايته «السبيليات» التي تمثل نموذجاً آخر يصعب تصديقه تقف شامخة رغم ظروف الحرب والألم، تتجرع الوجع وتمنحه للمقربين لها بلسماً، ويقول الأديب إسماعيل فهد عن شخصية «أم قاسم» في الرواية: «بالنسبة إلي تمثل الأرض والوطن، فهي تفهم الأمور بكل بساطة، وعندها أحكامها المطلقة، فهي تمثّل الإنسان البسيط والحقيقي بارتباطه بالأرض».

هدى الدغفق

أما الشاعرة هدى الدغفق فتترجم مشاعرها تجاه والدتها بهذه القصيدة وتقول فيها: «تبعدني الدروب/ تضيعني الجهات/ كلما تدفقتُ/ تغلـــقني الأبواب/ تجدني جهتي الوحيدة أمي. الجهات كلها أمي».

بالنسبة إلى الشاعرة الدغفق تؤدي الطرق كافة إلى والدتها فهي الجغرافيا والتاريخ لأنها ترى والدتها الحياة بمختلف أشكالها: «التاريخ/ الجغرافيا/ البحار/ البراري/ الهضاب /السهول / التلال/ الروابي/ الأودية/ الأفلاك/ الكواكب/ النجوم أمي/ أمكنتي /أزمنتي أمي الفجر /الصباح/ الشمس/ الظهيرة/ الظل أمي/ المساء/ الليلة/ البدر/ اليوم/ الساعة /اللحظة/ الحاضر/ المستقبل/ المجهول أمي/ المذاق / ملحه/ سكره/ حلوه/حامضه/ العسل/ رحيقه أمي/ الشتاء/ دفئه/ رذاذه / مطره أمي/ الصفاء /الأمن/ الطمأنينة /السِّلم‏/ السلام أمي/ السكينة/ الأمل/ المأمول/ التسامح / الخجل/ العتاب/ اللطف /الرفق/ الرقة/ العفو التحمل/ الاحتمال /الابتسامة/ السعادة/ الرعاية/ الحال المناسبة أمي الفضيلة/ المعروف/ الحسنة المتضاعفة/ النوايا الطيبة/ الفطرة/ التواضع/ السمو/ المراد/ الإرادة أمي/ الحلم/ الغاية‏/ الهبة/ البذل أمي/ الكاملة/ المكملة/ المدركة/ المتداركة/ الوصل/ الوصول/ الشوق/ الانتظار/ البوح/ الكتمان/ الصدق/ الصداقة.

الإخلاص/النصح/ الحس/ الإحساس/ الدهشة/ الذكاء/ النشوة/ الخيال/ الإيحاء/ الخاطر/ التخاطر/ الذاكرة/ التذكر/ الإلهام/ الإبداع/ الفكرة/ التفكر/ الإصغاء/ الفهم/ التفهم/ القول/الفعل/ الضمير/ اليقين المعنى/ العقل/ التعبير/ العبارة/ العبير أمي/ الجديدة/ المتجددة/ المحفزة/ المتحفزة أمي/ عالمتي/ معلمتي/ طفولتي التي لا أكبرها.

ما حياتي إذا لم تكن!؟ أمي... أمي.

الأم في نتاج التشكيليات

تشكيليا،ً تقول الفنانة مي السعد إنها رسمت في بداياتها عملين ولم تجد أجمل من موضوع الأمومة لترسمه وقالت: «نكبر ونحن نعتقد أن وجود الأم هو شيء من المسلمات، حقيقة ثابتة كالشمس تشرق في الصباح حتى لو غابت كل مساء، كالهواء نتنفسه ولا تشعر بنقصانه، كالجلد يلتصق بك يحميك ولا تفتقده لو احترقت أطرافك، ولهذا يكون للأم يوم في العام تخبرها فيه وبشكل استثنائي بأنك تحبها كثيراً وتقتطع من ساعات انشغالك واهتماماتك فقط لتبقي بين يديها لتقول لها «كل عام وأنت بخير وبصحة ورضا»، هو فعلاً أمر جميل، ويسعد كل أم، فلا تقلل من أهمية هذا اليوم، ومحظوظ من كانت والدته على قيد الحياة، ليقول لها «كل عام وأنت بخير»، وكل عام وكل الأمهات بخير».

وبدورها، تقول الفنانة التشكيلية أميرة أشكناني إنها في أعمالها الفنية ترسم المرأه التي هي الأم أولاً، ورسمت كثيراً عن الأم ولكنها تعتزّ بلوحة رسمتها في عام 2005، وهي تمثل الأم وبناتها الثلاث، وعبرت من خلالها عن احتضان الأم بناتها بعباءتها التي ترمز إلى الخوف والحرص عليهن، واللونان في اللوحة يعبّران عن الحب والحكمة، وهما الأحمر والأزرق، كذلك وضعت الزخارف المنتشرة في اللوحة لتعبر عن الجمال الذي يجده الأبناء في أمهاتهم، كذلك الأم في أبنائها. هذه اللوحة هي المميزة لديها والتي تجد فيها حنان الأم وحبها.

وعن نظرتها إلى الاحتفال بعيد الأم تقول اشكناني: «عيد الأم لا يقتصر على يوم واحد، فحب الأم وتضحياتها يجب أن يحتفل فيه العمر كله. ولكن لا يمنع من الاحتفال بأمهاتنا في يوم يمثّل تأكيداً على حب العالم كله وتقديره لها». ماذا يعني لها هذا العيد؟ فتقول اشكناني: «في عيد الأم تحتفل بي أسرتي كأم، ونحتفل أنا وأخواتي بأمي. أجد في هذا اليوم الحنان والحب والتقدير للأمهات كلهن».

الأم في «سبيليات» إسماعيل فهد تمثل الأرض والوطن
back to top