أهمية كتاب السيرة الذاتية لأول محافظ للبنك المركزي ومؤسسه الأستاذ حمزة عباس "ونصحت لكم"، أنه يسلط الضوء على أمور لم نكن على دراية بها، لم نكن نهتم بالكثير من التفاصيل عن سير إدارة الدولة حين خلقت مؤسساتها العامة، وكيف تتم إدارتها. المحافظ الأول للبنك ومؤسسه يتذكر تجربته الذاتية، ويسجلها لنا كخبرة مكتوبة عل وعسى أن يتعلم منها هذا الجيل الغارق في دنيا الاستهلاك، وبأمور سطحية تلهيه وتغيب وعيه عن قضاياه الكبرى، وأهمها قضية مستقبله والمخاطر الكبيرة القادمة التي تهدد رفاهيته وحتى وجوده في الغد القريب.مسألة محورية تفرض نفسها في كتاب الأستاذ حمزة هي أن الإدارة السياسية "كانت ومازالت" تضع الحصان قبل العربة، وتصبح السياسة "العربة" ذات أولوية على الاقتصاد "الحصان" وتقوده، بينما المفروض منطقاً وعقلاً بالدولة الحديثة العكس، كي نجني عندها مرارة حاضرنا من نهج العشوائيات السياسية. أزمة سوق المناخ لم تكن من نتاج مضاربات "فرسانه" ذلك الوقت ما بين عامي 82 و83، كان السوق وفرسانه هم نتائج تقديم أولوية القرار السياسي ومصالح القلة على الاعتبار الاقتصادي. كيف تسربت قروض البنوك للمضاربات في "روليت" السوق؟ وكيف سمح مجلس الوزراء بخلق شركات "بلاك جاك" لتلعب باقتصاد الدولة، فتبلغ قيمة الشيكات المؤجلة، بعبارة الأستاذ حمزة، 27 مليار دينار، وهو ما يمثل ستة أضعاف قيمة الائتمان الحقيقي في الجهاز المصرفي منذ تكوينه في الأربعينيات؟!
رأي الأستاذ حمزة قبل كارثة السوق وبعدها ركن جانباً عند أصحاب القرار، فدائماً كانت العربة قبل الحصان. سألوه عن الحلول، بعد أن نزل الفأس بالرأس، فقد كتب "... لم يكن لدي حل مهني وفني يستفيد منه الاقتصاد... والسبب هو أننا نعيش في اقتصاد ريعي، ولم أكن جازماً بأنه سيتم التوصل إلى حلول إلا وتكون نتيجتها صرف أموال باهظة من المال العام، ستذهب إلى عدد محدود من الأشخاص وشركاتهم...".بكلام آخر، في مثل شذوذ اقتصاد الدولة الريعي، لم يكن من المتصور حل كينز "عالم الاقتصاد الإنكليزي الذي يملي تدخل الدولة، وإنفاقها بسخاء على مشاريع البنية التحتية، مثلما فعل الرئيس روزفلت بالصفقة الكبرى بعد انهيار 1929، ولم تكن وصفة ميلتون فريدمان الاقتصادي الأميركي كما طبقتها الإدارة الأميركية بضخ سندات حكومية عبر البنك المركزي لإنقاذ الشركات الكبيرة بأزمة 2008 ممكنة، كان "الحل"، إن صحت تلك الكلمة، وكما أتذكر هو "حل بوعقال"، أي حل كويتي مفصل على المناسبة، وعلى جماعة محددة، العقال هنا لم يوضع على الرأس، وإنما جلد به (تلسب) كسوط مؤلم للجسد الاقتصادي للدولة.هل انتهينا من نهج العربة قبل الحصان، في أزمة سوق المناخ أو في 2008، وغيرهما من أزمات عصفت وستعصف بالدولة؟! أم كان وسيظل هناك دائماً حل "بوعقال"، أي الترقيع بالحلول المؤقتة، وما يعني من هرولة نحو الاسترضاءات السياسية وشراء الولاءات على حساب الواقع والمستقبل؟ هل أدركنا الفارق بين دولة الأشخاص العشوائية المتذبذبة كمقابل لدولة المؤسسات وحكم القانون المستقرة؟ أم مازلنا على "طمام المرحوم" مؤمنين بأن "المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين"، رغم هراء تلك الأمثال؟!
أخر كلام
حل «بوعقال»
21-03-2017