أجمع عدد من الشعراء على أن القصيدة تشكل رسالة سلام في زمن الحرب وسفك الدماء، معتبرين أن يوم الشعر العالمي يأتي احتفاءً بالشعراء العظماء الذين جادت قرائحهم بقصائد شكلت إرثاً إنسانياً وحضارياً على مر العصور.

وفي مفتتح حديثه، أكد الشاعر وليد القلاف أن "يوم الشعر العالمي يعني لي أنّ كل شعوب العالم تعتبر الشعر من الفنون الجميلة الراقية، وأنّ له القدرة على إيصال المشاعر الإنسانية إلى من له القدرة على فهمها والتحليق في فضاءاتها اللامتناهية"، مشيراً إلى أن "القصيدة هي ترجمة للأحاسيس والعواطف التي تنبع من أعماق الوجدان الإنساني، والشعر جسر تعبر من خلاله مشاعرنا إلى آذان المتلقي الذي له القدرة على فهمها فهماً جيّداً".

Ad

وحول قضية الشعر راهنا، يقول القلاف: "ليس للشعر في وقتنا الراهن قضية بل قضايا، فهو موجود في كل تفاصيل حياتنا، نجده في المدارس عند تحية العلم وإنشاد النشيد الوطني، وفي مناهج اللغة العربية، ومناهج التربية الإسلامية، وفي المساجد عند استشهاد الخطباء ببعض الأبيات الشعرية، وفي المقالات التي تنشر في الصحافة وفي الأغاني، فلا يلحن ولا يغنّى إلّا الشعر، وفي كتب النحو والبلاغة، وفي الأمثال التي نستخدمها في أحاديثنا مع الآخرين، ومثال على ذلك قول المتنبي: (إذا أنت أكرمت الكريم ملكته... وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّدا) و(مصائب قوم عند قوم فوائد) و(تجري الرياح بما لا تشتهي السفن) و(أنا الغريق فما خوفي من البلل) والأمثلة كثيرة جدًّا ولا حصر لها".

حالة جمالية مطلقة

أما الشاعر محمد هشام المغربي، فيرى أن الشعر حالة إنسانية راقية جداً يترجم فيها الإنسان ما يختلج في صدره عبر الكلمة، ويوضح ضمن هذا السياق: "أحسب أن الاحتفاء بيوم الشعر العالمي يحاول تحقيق أمرين مهمين، الأول لأنه الشعر، وهنا لا أعني فقط ما يتدارسه طلاب كليات الأدب فحسب، بل أعني الحالة الجمالية المطلقة. فالشعر بمعناه الأعمق يحضر في المشهد الحياتي، ولا يحتاج الإنسان ليشهد بجماليات ما حوله أن يكون خريج كلية ما، أو أن يعرف القواعد أو الأسس، بقدر حاجته لاطلاق العنان لإنسانيته. الشعر حالة إنسانية أكثر تجذرا من أي تعريفات أدبية، أما الأمر الثاني، فلكونه عالمياً. لا تتوقف الحاجة بأن يذكر بعضنا بعضا أننا إخوة في عالم واحد وأننا نتشارك الأرض ذاتها. الشعر في هذا السياق يكون دافعا نحو السلام. لا يهم بأي لغة تتحدث، فالشعر بيومه العالمي، يجمع أصواتنا من شتاتها، ويعيد لأذهاننا طيوفا من التعايش".

ويتساءل المغربي: "فهل ننجح؟ أعني البشر، في إنجاز شيء من هذا. هل ننجح في نبذ العنف والكره، هل يسكت الشعر طبول الحرب التي ما فتئت تقرع بين الأمم؟".

وفيما يتعلق بقضية الشعر راهناً يقول: "في رأيي لا يمكن لأي قضية كانت أن تحتكر الشعر العربي، ولكن قد تطغى قضايا فوق غيرها، لكن تنوع الأصوات يبقى سمة دائمة. إذا كانت للشعر -عموما- قضية فقضيته الإنسان وربما نحن نقترب من شكل أكثر إنسانية في الطرح، فالشعر العالمي والشعر العربي ليسا بمعزل عن هذا الشكل. الظلم الواقع على الإنسانية، لا يميز لغة عن أخرى. والدم المسفوك في الحروب لا لون له إلا الأحمر. والحب الذي ينبت في قلبين لا يحتاج إلى جواز سفر بل قصيدة".

الكائن السحري

ضمن هذا السياق، يرى الشاعر رجا القحطاني أن يوم الشعر العالمي لا يذكره بشيء اسمه الشعر، لأن الأخير معه دائما لا يمر يوم إلا وتهادت نوارسه على ضفاف ذاكرته أو صافحه قراءة، مشيراً إلى أن "يومه الاحتفائي هو تقدير لهذا الكائن السحري الممتد الظلال عبر قوافل الأزمنة".

وأردف القحطاني: "رغم أن الشعر طائر حر يحلق في فضاءات الحرية ولا ترتبط قيمته الإبداعية بحالة محددة أيا كانت هذه الحالة، فإنه فضلا عن أنه متنفس وجداني للإنسان في حياة متخمة بالجفاء البشري والصخب المحموم هو مرشح بقوة كي يلامس وعي الإنسان لينتشله من نيران التطرف والجنون البشري المعاصر إلى واحات السلام والاستقرار، وستواجهه عقبات الواقع المؤلم الذي نكابده في عالمنا العربي. لكن قد يكون الشعر بنبضه الإنساني هو الحل الوحيد في زمن المتاجرين بالدِّين والراقصين على جراح الضحايا والمؤمنين بحوار القنابل. لكن ما نفترضه تفاؤلا يختلف عما نعانيه معاضلا، وهنا مكمن الاشكالية".

سلطة الشعر

ومن جانبها، تستشهد الشاعرة مريم فضل بما قاله الجاحظ: "يقول الجاحظ إن (الشعر فضيلة العرب) فالشعر يجري في دم العربي، فكل عربي شاعر وإن لم يكتب الشعر، وتحديد يوم للشعر يؤكد للقارئ البسيط مدى سلطة الشعر الذي أحدث ثقبا في جدار الوقت".

وتضيف: "الشعر إنسان متجول على مدار الوقت، وينخرط بحرية مسؤولة في الدين والسلطة والسياسة. فكل ما يراه يستحق الجدل سينخرط به ويكتب عنه ويصرخ به. أيضا ما يرفع من شأن الشعر أنه يرفض الخوض في قضايا تجره للوحل ويفضل عدم تشويه نفسه على أن يظهر في كل قضية. فقضايا الشعر إما أن تخوضها وأنت متيقن من الكسب أو ترميها خلف ظهرك".

داء النرجسية

ومن جانبه، قال الشاعر محمد صرخوه في هذا الإطار: "لكي نفهم فكرة اليوم العالمي للشعر، علينا أن نفهم الشعراء، حسنا، الشعراء هم مجموعة من النرجسيين، الذين يعتقدون أن العالم كله يقف على قدم واحدة في زاوية الكون بانتظار لحظة الخلاص. أي لحظة إلقائهم لنصوصهم، كذابون في مجملهم، وأسوأ ما فيهم هو ذلك الوهم الكبير المغروس في قاع بواطنهم، ذلك الصوت المجلجل الذي لا يكف عن ترديد (أنت شاعر، أنت تفهم وتعلم كل شيء، ولا شيء ينقصك، ولست بحاجة لتتعلم شيئاً جديداً!)".

ويستطرد صرخوه في الحديث عن صورة الشعراء في مواقع التواصل، ويوضح أن "النرجسية وما سبق ذكره تحديداً يفسران الثقة الكبيرة في انتشارهم على مواقع التواصل بصور تشبه تلك التي نشاهدها على ألبومات الغناء، فاعلم أنه كذّاب، ولأنه كذّاب، فهو يفضل الشعر لتسويق أكذوبته! ذلك لأن غالبية من يتسمون بالشعراء، يجدون في الشعر ساحتهم الخلفية المناسبة لممارسة رذيلة السفسطة، أي التلاعب بالأفكار من خلال اللغة، ومكيجة جميع أفكارهم وممارساتهم اللاأخلاقية بمساحيق (الفرادة، والعمل غير المألوف!) سل شاعراً مثلاً عن مفهوم الحرية، فسيجيبك بكلام يشبه هذا: إن مفهوم الحرية يعني أن تتلاقح مع النخل وتنفث دخاناً في الهواء فلا يعترضك أحد، لن تجد أبداً تعريفاً واضحاً لأي شيء عنده، فهل نصنع يوماً عالمياً لهؤلاء؟! لن تجد الشعراء الحقيقيّين الذين أسميهم (الرؤاة) في مواقع التواصل أو أي بازار آخر للتفاهة، وإذا جلست معهم فلن تعلم بأنهم شعراء إلا حين صعودهم إلى المنصة، ولن يزكوا أنفسهم على الناس بلباس يشبه ما يرتديه قراقوزات السيرك الايطالي، أو برستيج لا تراه إلا في مشاهد أفلام العصابات التقليدية! ولأن الشعر الحقيقي غربة، من لم يدخلها فاته التجلّي، فلن تجد كلمة (شاعر) أمام أسماء الحقيقيين على دواوين شعرهم، وهذا

حال جميع البشر المتفوقين".

وأضاف: "المتفوقون الحقيقيون يعتزون بأسمائهم لا ألقابهم، ومن لم يشرّفه اسمه فلن يشرّفه لقب، ولذلك، فإن من الخطأ بمكان صنع مظلة مطاطية يجرّها متسوّلو الأضواء إلى حيث يقفون، كصنع يوم للشعر وكل من يلتصق به، بل الأجدى والأفضل صنع أيام للبشر المتفوقين، لأهل الحقيقة والرؤية، كحافظ الشيرازي والمتنبي وشكسبير وهوميروس، وكلهم شعراء حقيقيّون، وصنع أيام لنماذج أخرى متفوقة، كسقراط وغاندي وتوماس أديسون".

وحول قضية الشعر في الوقت الراهن، يقول صرخوه: "الشعر مشتت بشتات نفوس الشعراء، لا تلم الشعر، بل لم الشعراء، فهم يعيشون بلا قضيّة، يخوضون كالمرتزقة في كل شيء حتى في تلك القضايا التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فقط لكسب نقطة في كل المجالات، يكتبون لأجل أن يراهم الآخرون شعراء، لا لأجل شيء آخر! وذلك يجعل الشعر وسيلة رخيصة للتكسب، ومضماراً لشتى أشكال العقد النفسية. لم أستمع منذ وقت طويل لقصيدة جيدة، كما لم أستمع لأغنية جيدة، ولم أشاهد فيلماً جيداً. كل شيء بات يقدّم على طريقة الفاست فود، كل شيء، والشعراء ليسوا استثناء، بل هم لاعبون فاشلون يأملون لعب دور مهم في حلبة التفاهة الكبيرة، والحال أن الشعر بحد ذاته لا يعدّ امتيازاً، ولكن الامتياز يأتي من تلك الحقيقة القابعة في أعماق النص الشعري، وهذا ما لا يكون بانعدام القضية في قلب الشاعر، مما يجعل مفتاح الإجابة معلقاً على جيد سؤال واحد مفاده، كم شاعراً ممن تعرف يعيش قضية حقيقية، قضيّة تستولي على وقته، تقوده للعمل في السراديب المظلمة بعيداً عن السوق، بعيداً عن مواقع التواصل، بعيداً عن الثرثرة، بصمت تام وغليان داخلي، بانتظار قصيدة حقيقية؟ قلة بالتأكيد، وهؤلاء يعيشون قضاياهم، نعم للشعر قضية لدى هؤلاء، لكنه عند الغالبية الساحقة، لا يعدو كونه جراباً ورقياً لبابا نويل، يأملون أن تخرج منه غاياتهم المتمحورة حول الصيت والشهرة وبقية لوازم داء العظمة، أو غرفة اعترافات مُدكوَرة، يستحلبون فيها أمانيهم المريضة ب(الحاءات الثلاث)، الحزن و الحرية و الحب، وأي محاولة من أحدهم للخروج من هذا المضمار المثلث، ستبوء بالفشل الذريع دون أدنى شك".

«البابطين» تشارك في احتفالية الأكاديمية العالمية للشعر

شاركت مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية في احتفالية الأكاديمية العالمية للشعر التي أقيمت في فيرونا بإيطاليا، والتي جاءت هذا العام تحت عنوان "الشعر بوصفه جوهر العالم: الهوية والتقاليد في عالمنا المعاصر".

ودعت المؤسسة بوصفها شريكة في تنظيم الاحتفالية، عدداً من الشعراء العرب لإحياء أمسيات شعرية وهم: مشعل الزعبي من الكويت، ومحمد إبراهيم يعقوب من السعودية، ومحمد الصقلي وصباح الدُبى من المغرب، وعبداللطيف الساعدي من العراق. وحضر الاحتفالية أ.د. تهامي العبدولي نيابة عن رئيس المؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الذي سبق أن اختارته الأكاديمية العالمية للشعر رئيساً فخرياً لها.

ويشكل احتفال هذا العام أهمية خاصة في حوار الثقافات المختلفة حيث حضره مثقفون من خمس قارات. وقد احتفلت الأكاديمية في مهرجانها الحالي بالشعر الياباني من خلال أحد أنواعه الذي يطلق عليه اسم "نانكا"، كما جرت مساجلات شعرية بين الشعراء.