اختتم مؤتمر "الحوكمة" الثاني في دول مجلس التعاون الخليجي جلساته أمس، بحضور العديد من الاقتصاديين وأصحاب الخبرة، وتناول تحديد أهمية "الحوكمة" للتفاعل بين القطاعين العام والخاص لرفع معدلات الأداء والإنتاجية وتعزيز الشفافية.وأكد الرئيس التنفيذي في شركة المركز المالي مناف الهاجري، أن القطاع المالي في الكويت أكثر القطاعات تنظيماً، لافتاً إلى أن الأرقام تظهر وجود عدة مؤشرات للإصلاحات في بعض القطاعات في الكويت في الفترة من 2013 إلى النصف الأول من 2016، وتتمثل في أن القطاع المالي يحظى بنصيب الأسد من الإصلاحات بعد تأسيس هيئة أسواق المال.
فجوة رقابية
وقال الهاجري، إن هناك فجوة رقابية لمصلحة القطاع المالي مقارنة مع القطاعات الاقتصادية الأخرى، موضحاً أن من بين الأمثلة على ذلك إجراءات رقابة غسل الأموال المحكمة في القطاع المالي تتجاوز أي قطاعات أخرى.وذكر أن حوكمة التعاقدات والخصخصة تعتبر من بين أهم الركائز الاقتصادية اللازمة لتعزيز الثقة في الاقتصاد، لافتاً إلى وجوب إعادة النظر في أنظمة "الحوكمة" القوية للاقتصاد، التي يمكن أن تساهم حوكمة عقود التوريد عبر الشفافية والحيادية والتنافسية في دول مجلس التعاون الخليجي في تعزيزها، وخصوصاً المشاريع الصغيرة والمتوسطة.كما أشار إلى وجوب إعادة النظر في التوجه الكلي لمشتريات القطاع العام وجعل عمليات الشراء أكثر مهنية، والعمل على خفض معدلات البيروقراطية والروتين الحكومي، والاستفادة القصوى من الثورة الرقمية من أجل عقود توريد أكثر كفاءة وفاعلية.
الحوكمة القوية
وأكد الهاجري أن أنظمة "الحوكمة" القوية ستؤدي إلى منع انتشار الفساد بأشكاله المختلفة، مستعرضاً التعاقدات المتسقة مع السياسات الاقتصادية للدولة في عدد من الوجوه، منها وجود قطاع نفطي منفتح على القطاع الخاص، ووجود تعاقدات صديقة للبيئة، وتغلغل الإنفاق المالي الكبير لمختلف اللاعبين في الساحة الاقتصادية، والخروج من مأزق الاستشارات العالمية، التي لا تؤدي إلى نتائج فعالة، أو بناء قدرات عبر ربط السياسات الاقتصادية بسياسة التوريد بشكل وثيق.وبين أن نسبة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص تمثل نسبة ضئيلة من إجمالي مشاريع الدولة، التي بلغت 5.8 في المئة مقابل 94.2 في المئة لمشروعات أخرى.وذكر الهاجري أنه على الرغم من وجود حجم قياسي للمناقصات، لكن ذلك لم ينعكس على توسع القطاع الخاص أو نشاط البنوك، مبيناً أن النمو الائتماني بطيء والبنوك في الكويت تتبع سياسة تجنيب المخصصات، والتعاقد في الأغلب يتم مع الشركات العائلية، بالتالي فإن بورصة الكويت لا تستفيد من التعاقدات الضخمة، التي تتم من خلال المشاريع التنموية الكبرى.وأضاف أن الخصخصة غير الدقيقة جعلت من الصعب إشراك القطاع الخاص في برامج البنية التحتية الضخمة الموجهة ناحية خلق الوظائف.حوكمة التوريدات
وتعليقاً على حوكمة التوريدات في الكويت، أفاد بأن هذا الجانب يعاني من مواطن ضعف، تتمثل في ندرة الفرص للشركات المتوسطة والصغيرة وضعف استفادة الشركات المدرجة من الانفاق المالي والتأخير والإلغاءات الكثيرة وبناء القدرات البشرية.وعن السياسات الاقتصادية، أوضح أن القطاع النفطي عليه مسؤولية كبيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي لتفعيل القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة وسياسة حوكمة التعاقدات الحصيفة، التي تحقق ربطاً أوثق للسياسات الاقتصادية والمشاريع التي تمنع الهدر.قواعد «الحوكمة»
من جانبه، تناول رئيس هيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص مطلق الصانع قواعد "الحوكمة" المعمول بها لدى الهيئة، وأهمية "الحوكمة" في مؤسسات القطاع العام، "حيث لا يمكن بناء بيئة جاذبة للاستثمار دون وجود قطاع عام محكوم قادر على بناء منظومة إدارية تيسر الإجراءات وتنجز الأعمال بطريقة متطورة وشفافة وعادلة".وقال الصانع، إن الدور الأساسي للقطاع العام هو توفير وتنظيم الأنشطة الإنتاجية والخدمية في الاقتصاد الوطني، وإن تطوير أداء ومستوى حوكمة مؤسسات القطاع العام يعزز قدرة مؤسسات هذا القطاع على إنجاز أهدافها بقدر عالٍ من المهنية والكفاءة. وأضاف أن حوكمة مؤسسات القطاع العام توفر إمكانية قياس الأداء وتجعل المتابعة والمحاسبة أكثر دقة وموضوعية، موضحاً أنه في ظل التداخل الكبير في الأعمال بين مؤسسات القطاع العام، فإن الارتقاء بتطبيق معايير "الحوكمة" يحقق فصل المهام والمسؤوليات بصورة توضح المهام المنوطة بكل منها على وجه الدقة.ولفت إلى أن حوكمة القطاع العام تعزز مستوى مؤسسات القطاع العام وكفاءتها في جميع الأنشطة الخدمية والإنتاجية، ويمكن إدراك ذلك من خلال الفرق في جودة الخدمة بين القطاعات الاقتصادية المحوكمة (المصارف) والقطاعات الأخرى.مزايا عديدة
وذكر الصانع، أن طرح مشروعات الدولة وفقاً لأحكام القانون رقم (116) لسنة 2014 بشأن الشراكة بين القطاعين العام والخاص يحقق المزايا التالية:* تخفيف العبء عن الميزانية العامة للدولة وتوزيعه على مدة زمنية طويلة، من خلال تمويل القطاع الخاص لتلك المشروعات بدلاً من تخصيص ميزانيات ضخمة لإقامة تلك المشروعات من قبل الدولة.* تحويل دور الجهات العامة بالدولة من دور منتج ومزود للخدمة إلى دور رقابي وتنظيمي.* السرعة والإتقان في إنجاز مشروعات الدولة، حسب المخطط الزمني المعتمد لكل مشروع.* إتاحة المجال للقطاع الخاص للابتكار والمشاركة الفعالة في مجال تقديم الخدمات للدولة.* خلق فرص وظيفية للشباب الكويتي خارج القطاع العام.* استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية واستثمارها بالدولة.* تحويل دولة الكويت إلى مركز مالي جاذب للاستثمار.* إشراك المواطنين في ملكية المشاريع من خلال تخصيص 50 في المئة من رأسمال الشركات، التي تتولى تنفيذ المشروعات للاكتتاب العام للمواطنين الكويتيين.* المساهمة في تحقيق أهداف الخطة المستقبلية لدولة الكويت عام 2035.تقييم التجارب
وترأس عضو المجلس الأعلى للبترول محمد الهاجري الجلسة الرابعة للمؤتمر بعنوان "تقييم التجارب الدولية في خصخصة القطاعات العامة وأهمية الحوكمة كمتطلب أساسي ومحوري لنجاح برامج خصخصة القطاع العام".وقال رئيس اتحاد الصناعات الكويتية حسين الخرافي، إن انتقال الكويت من مرحلة القرية إلى الدولة تم بشكل سريع مما أثر سلباً على إنشاء القوانين، وتداخل الاختصاصات بين الجهات التنفيذية والتشريعية في الدولة.وأضاف الخرافي، أنه في الفترة الماضية شهدت الكويت أزمات شديدة على كل الأصعدة نتيجة عدم وجود "الحوكمة"، موضحاً أن استمرار الفساد والفوضى في تنفيذ القوانين عن طريق الاستثناءات دليل واضح على عدم الالتزام بتطبيق "الحوكمة".وأكد ضرورة اختيار القوي الأمين لتطبيق القوانين والتشريعات، لافتاً إلى أن استمرار الوضع الحالي سيزيد الفساد والإخفاق في القطاع العام و"سيبقينا على طمام المرحوم".أهمية «الحوكمة»
بدوره، أكد أستاذ الاقتصاد نايف الشمري، في كلمته، أهمية "الحوكمة" في الشراكة بين القطاعين العام والخاص في دولة الكويت، موضحاً أن الإطار العام للحوكمة يتمثل في الشفافية والإفصاح ومكافحة الفساد المالي والإداري، وتحديات المالية العامة، ودور القطاع الخاص في الاقتصاد وإصلاحات سوق العمل الإصلاح التشريعي والمؤسسي.وحول تقييم التجربة الكويتية في الشراكة من الواقع العملي، قال الشمري، إن الجوانب القانونية الحالية لقانون الشراكة بين القطاعين استغرق تطويرها وقتاً طويلاً دون مراعاة الجوانب العملية، التي يحتاجها القطاع الخاص على أرض الواقع عند الانخراط بمشاريع الشراكة، وعلى رأسها تحقيق عوائد مجزية.وتطرق الشمري إلى بناء الثقة بين الحكومة والقطاع الخاص بالقول، إن الحكومة ورغم دعوتها للقطاع الخاص للمشاركة في خطط التنمية، لكن هذه الدعوة متلازمة مع النظر لهذا القطاع بعين الشك والريبة من أدائه لاسيما تجاه التعاملات أو الاستفادة من المال العام ، وهو الأمر الذي يثبط حماس القطاع الخاص للدخول في مشاريع الشراكة بين القطاعين.وأشار إلى أن قانون الشراكة وضع شروط الشراكة بشكل منفرد لا يوازن بين مصالح القطاعين، بالتالي كان هناك عزوف من قبل القطاع الخاص عن المشاركة في بعض المشاريعن كالبيوت منخفضة الدخل وشركة الضمان الصحي، وهو ما تم التعامل معه من خلال إعطاء هيئة الشراكة المرونة المطلوبة للأخذ بعين الاعتبار مصالح القطاع الخاص.وبين الشمري أن القانون الحالي جاء ليعالج موضوع رمزية أسعار أراضي الدولة، التي كان قانون أملاك الدولة ينظم انتفاع القطاع الخاص بها، وقد ساهمت عملية إعادة تسعير أراضي الدولة في زيادة إيرادات الدولة من تأجير الأملاك العامة، وهو ما ينعكس إيجابياً على تنمية الإيرادات غير النفطية والمساعدة في تنويع مصادر الدخل، فضلاً عن الحفاظ على المال العام. ووضع الشمري في ورقة العمل عدة نتائج من بينها:* خصخصة عدد كبير من الوحدات الاقتصادية، قد لا يعني نجاحها في تحقيق ربحية أكثر ما لم يترافق ذلك مع تطبيق معايير "الحوكمة" بالشكل المطلوب.* إن اللوائح التنفيذية لقانون BOT السابق وقانون الشراكة الحالي لاتزال غير ناضجة وتحتاج إلى المزيد من التطوير.* الحكومة لا تحتاج إلى إعادة اختراع العجلة، إنما عليها الاستفادة من تجارب الدول الأخرى، التي قطعت أشواطاً متقدمة في مشاريع الشراكة بين القطاعين بما يؤدي إلى انضاج القوانين المعمول بها في الكويت واللوائح التنفيذية لها مما يساهم في خدمة مصالح القطاعين العام والخاص.الجلسة الخامسة
وتناولت الجلسة الأخيرة للمؤتمر، برئاسة رئيس جمعية الشفافية الكويتية صلاح الغزالي، أثر تطبيق "الحوكمة" في تخفيض معدلات الفساد وتعزيز الشفافية ورفع تصنيفات الكويت في المرشدات والتقارير المالية وتحسين الأداء.من ناحيته، قال د. حسين الطلافحة وكيل المعهد العربي للتخطيط، إن الدولة اهتمت بتقديم الخدمات الحكومية بشكل واسع والبنية التحتية ومؤسسات ومرافق الدولة، ونتيجة لهذا التوسع نتجت بعض السلبيات في التشابك والتداخل بين المهام والوظائف في مؤسسات الدولة مما يشير إلى ضرورة تطبيق معايير "الحوكمة".وأكد الطلافحة ضرورة التزام مؤسسات القطاع العام بمعايير "الحوكمة" في ضوء الإصلاحات المالية والاقتصادية مبيناً أنه في ظل التداخل الكبير في الأعمال بين مؤسسات القطاع العام، فإن الارتقاء بتطبيق معايير "الحوكمة" يحقق فصل المهام والمسؤوليات بصورة توضح المهام المنوطة بكل منها على وجه الدقة.تحصين الاقتصاد
بدوره، دعا ممثل البنك الدولي د. فراس رعد إلى ضرورة تحصين الاقتصاد وتقويته، من خلال تطبيق معايير «الحوكمة» الحديثة في كل قطاعاته، كذلك مراجعة التشريعات الاقتصادية السارية، والعمل على إصدار قوانين حديثة معاصرة تتلاءم مع ما هو مطبق دولياً. وبين د. رعد أن تطبيق مفهوم «الحوكمة» على قطاع واحد بمعزل عن قطاع آخر لن يحقق النتائج المرجوة والأهداف المنشودة نظراً لارتباطها الوثيق واعتماد أحدهما على الآخر.وأشار إلى أن دول الخليج بحاجة إلى المزيد من الإصلاحات في هذا المجال لسد الفجوة بين القطاعين العام والخاص، مؤكداً أن تطبيق مفهوم «الحوكمة» على القطاع العام من أهم مقومات النجاح والاستدامة. واستعرض العديد من المؤشرات، التي تشير إلى احتلال الكويت مراتب متقدمة في مؤشرات الفساد والرشوة .