الرئاسة الأميركية تتقلص في نظر العالم
يرى الأجانب رئيساً يحمّل سلفه مسؤولية جريمة خطيرة، كذلك يرون إدارة تخضع نشاطات حملتها لتحقيق جدي من السلطة التنفيذية والكونغرس، وإذا تبين أن أعوان ترامب المقربين كانوا على اتصال مباشر مع القراصنة الروس، فسيعتبر الأجانب أن الرئيس يواجه أزمة عزل.
من الصعب المغالاة في تقدير المخاطر الجيو-سياسية اليوم أو التدقيق العالمي (المقلق والمتحمس على حد سواء) الذي تخضع له راهناً الرئاسة الأميركية.تتفاقم الأعمال العدائية مع توسّع النفوذ الروسي غرباً وتمدد حدود النفوذ الصيني جنوباً، وقد تصبح القدرة النووية العابرة للقارات قريباً بين يدَيّ حاكم كوريا الشمالية المتهور. في الشرق الأوسط بدأ التحالف العدائي بين روسيا والقوى الشيعية يزداد قوة، في حين يسيطر المتطرفون السنّة على منطقة واسعة ويطمحون لتنفيذ ضربات في مدن غربية، في المقابل قللت الولايات المتحدة من أهمية حلفائها وأصدقائها السنّة التقليديين وتخلت عنهم، كذلك وصل عدد الضحايا السوريين على الأرجح إلى 500 ألف، في حين يعاني ملايين اللاجئين ظروفاً تؤجج الغضب. فضلاً عن ذلك يستغل الإرهاب والتجسس عبر شبكة الإنترنت اعتمادنا على التكنولوجيا ويحوّله إلى سلاح، أضف إلى ذلك المجاعة الكبيرة في شرق إفريقيا التي تهدد حياة نحو 20 مليون شخص، وهكذا تكتمل صورة الفوضى إلى أن تحل الأزمة التالية.تمر كل إدارة جديدة بمرحلة مليئة بالخضات كي ترسّخ سلطتها، إلا أن هذا يفترض أننا نتمتع بالقدرة على التعلّم من أخطائنا، فيرى الأجانب رئيساً يحمّل سلفه، على غرار ما يحصل في جمهوريات الموز، مسؤولية جريمة خطيرة أكّد مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي في شهادته ألا دليل يثبتها، كذلك يرون إدارة تخضع نشاطات حملتها لتحقيق جدي من السلطة التنفيذية والكونغرس، وإذا تبين أن أعوان ترامب المقربين كانوا على اتصال مباشر مع القراصنة الروس، فسيعتبر الأجانب أن الرئيس يواجه أزمة عزل، علماً أن هذه الآلية الدستورية الوحيدة التي تزيل وصمة الاحتيال عن انتخابات عام 2016.
علاوة على ذلك يلاحظ الأجانب أن السياسات تتولى توجيه الإدارة لا الأمن القومي، على سبيل المثال اختير تيلرسون لمنصب وزير الخارجية، إلا أنه مُنع من انتقاء نائبه لأسباب سياسية، ثم طُلب منه إجراء تخفيضات بنسبة 28% في ميزانية الأعمال الدبلوماسية والتنمية، ومَن يأبه بأن تيلرسون تحوّل إلى مجرد شخصية سياسية واهية؟ ومَن يأبه بأن عمليات نشر الاستقرار في الصومال وشمال نيجيريا، هاتين المنطقتين اللتين تشكلان أرضاً خصبة لتجنيد الإرهابيين الإسلاميين، ستُلغى على الأرجح في موازنة ترامب؟ ومَن يأبه بأن البرامج التي تهدف إلى تفادي المجاعة ستُخفّض؟ عندما سُئل مدير مكتب الإدارة والموازنة ميك مولفاني عما إذا كان قلقاً حيال خفض هذه البرامج خلال المجاعة، أجاب: (ذكر الرئيس مئات المرات: «سأحدّ من المال المخصَّص للناس في الخارج وسأُنفق المزيد من المال على الناس في الداخل»، وهذا ما نقوم به بالتحديد في هذه الموازنة). لا شك أن الوحشية المتخلفة التي يعكسها هذا التصريح (على افتراض أن الوسيلة الوحيدة لمساعدة الأميركيين تقوم على ترك الأولاد الأجانب يموتون) لافتة للنظر ونموذجية.ما تكون الحصيلة إذاً؟ يرى الأجانب إطار عمل دارويني وطني تعمل وفقه السياسة الخارجية الأميركية، وتراجع التمسك بالالتزامات العالمية، وفضيحة تعتمل في الكواليس قد تُخرج الإدارة عن مسارها أو تشلها، ورئيسا يقوم بأعماله بجهل متهور.ينظر البعض إلى هذا المشهد ويتملكهم الخوف، في حين يرى فيه آخرون فرصة ذهبية.* مايكل غيرسون* «واشنطن بوست»