* ديوانك "بسمتكِ أحلى من العلم الوطني" يحتمل التأويل في أكثر من اتجاه، كما يضعك في قفص اتهام، لا سيما أنك من جذور عربية ثم شددت الرّحال الى أوروبا. كيف تردّ على ذلك؟

-كلّ التفسيرات والتأويلات مشروعة بعد إصدار العمل. أمّا انتقائي للعنوان فقد كان مقصودا. فالعنوان الذي لا يثير الانتباه، ولو تضمّن بعض الاستفزاز، لا يليق بديوان شعري. كذلك كان بالنسبة لعنوان ديواني السابق "أكره الحبّ"، فمن خلال هذه العناوين أهدف إلى تحريك الرغبة لدى القارئ لاكتشاف ما بين دفّتي الكتاب الأدبي. ثمّ إن العنوان هو في الأصل لقصيدة ضمن الكتاب.

Ad

* وما حكاية هذا النص؟

-كتبت القصيدة بتاريخ 2012/12/12، من الصعب نسيان تاريخ بهذا الشكل، مع بداية انطلاق الثورات العربية أو ما يصطلح عليه بالربيع العربي. وكان مبعث كتابة هذه القصيدة أن لديّ كاتبة صديقة في سورية حاولت تفقدها عبر الهاتف، على إثر تفجيرات عرفتها دمشق، لكن لم أجد أيّ إجابة. كررت محاولات الاتصال عبر الهاتف بدون جدوى. أردت أن أقتفي أثرها عبر "الفيسبوك" فوجدت أن هناك علما وطنيّا بدل صورتها. ما حدث لم يطمئنني عليها، بل دفعني إلى إثارة المزيد من القلق والتساؤل حيالها. هنا فطنت إلى أن الرموز الكبرى من أعلام وبيارق لا تغني عن الإشارات الإنسانية الصغيرة الصادرة عن شخص معيّن. ولأن الزمن زمن حرب، سعيت إلى طرح سؤال عام عن الحرب والحب. إذ يكفي أن نزيل الراء من وسط مفردة حرب لكي نخلص إلى حب. وفي عيون الشعر العربي القديم نصوص لافتة تجمع بين هاتين الحالتين، كما في قول عنترة بن شداد:

وَلَقَد ذَكَرتُكِ والرِّماحُ نَواهِلٌ مِنّي وبِيضُ الهِندِ تَقطُرُ مِن دَمي

فَوَدِدتُ تَقبيلَ السُيوفِ لأَنَّها لَمَعَت كَبارِقِ ثَغرِكِ المُتَبَسِّمِ

أقصد أن المراوحة بين الحرب والحب متكررة في الشعر العربي، منذ القدم.

بالنهاية، لقد حاولت كتابة قصيدة تحتفي بالإنسان وتفتش عن ابتسامة صافية ترتسم على ثغره، لأن ثمة دلالة كبيرة لهذه الابتسامة إن وجدت. فالكثير من الشعارات البراقة حتى لبعض الثورات عندما لا تعير أي أهمية لآدمية الإنسان وخصوصيته سرعان ما تفتح أبوابها على الخراب. لقد عشنا لحظة كان الاصطفاف فيها مطلوبا والاحتشاد مفروضا ضمن هذا الخندق أو ذاك. وفي لحظة الاصطفاف، يتم الاحتفاء الجماعي بالحشود ويتخلّف الإنسان بفردانيته وآدميته البسيطة. وهذه الإنسانية من منظوري هي التي تشكل جوهر الوجود، وأي حركة تغيير على حساب فردانية الإنسان بالنسبة إلي ليست مجدية على المدى الطويل.

الشاعر والسياسة

* هل الشاعر يستطيع قراءة المشهد السياسي جيداً؟

- أظن أن الشعر يذهب دوما باتجاه الأساسي والجوهري هكذا وبدون أدنى ادّعاء، لأن جوهرنا الإنساني واحد. عندما تزدحم الأحداث الكبرى، لا يجب أن تختفي الأشياء البسيطة، لكن الأساسية التي تمنح القصيدة عمقها الوجودي وتفتحها على بعد استشرافي يمسك بجوهر الشعر خارج حرارة اللحظة الآنية ووطأة الأحداث الطارئة. هذه القراءة الإبداعية الخاصة للمشهد السياسي العام يجب أن تكون نشدانا للتوازن الشخصي، لكي لا تبدو مفتعلة.

* كيف ينظر المثقف في أوروبا لما يحدث في الوطن العربي راهناً، لا سيما أنك تقيم هناك منذ عقدين ولك صداقات في تلك البقعة من العالم؟

- ما يسمى بالربيع العربي جعل الشأن العربي العام مادة مطلوبة تسويقياً وترويجياً، وجرّ الاهتمام بالموضوع العربي في أوروبا. وللأسف فإننا قرأنا أدباً عجولاً متسرّعاً يلاحق الأحداث ويلهث وراءها، فيما يشبه يوميات بسيطة وغير ناضجة بما يكفي، لا تطرح مسألة التحوّلات بالعمق المطلوب أدبيا وفنّيا ولا حتى سياسيا. هكذا لم يتمّ استثمار الاهتمام العام بالموضوع العربي بشكل جيد لتقديم ثمرات إبداعنا الناضجة إلى المتلقي الأوروبي بما يساهم في تشكيل لحظة الوعي الجماعي بالذات والآخر في لحظتنا الراهنة.

وأعتقد أن المؤسسات الثقافية الأوروبية مازالت مقصرة تجاه المنتوج الثقافي العربي لتحقيق الحوار الضروري القائم على المعرفة العميقة، خارج العروض السريعة المنتجة تحت الطلب تقريبا لتلبية أفق انتظار جاهز ومتطلبات السوق المحدّدة.

أدب الثورات

* هل هي احتياجات السوق أم أمور أيديولوجية؟

- شخصياً لا أعتقد أن أوروبا، ككيان مؤسساتي، لها سياسة واضحة تختار ما يتماشى معها. لكنها تموّل العديد من المشاريع التي يقترحها مبرمجون ثقافيون داخل أوروبا أو ممثلون لمراكز ثقافية أوروبية بالعالم العربي لديهم تصور جاهز للقضايا العربية المثيرة فنيا. بعد "الربيع العربي"، حضرتُ العديد من الأنشطة والفعاليات التي تنقصها الرصانة على مستوى الاختيار، فالغلبة للمنتوج الثقافي الأعلى زعيقا. أي القابل للترويج بشكل مثير. ولأن القصد لا يكون هو الرغبة الصادقة في الفهم العميق، يتمّ التسابق على الاحتفاء بما يسمى "أدب الثورات العربية"، فيما يشبه الرغبة في التطهير الذاتي والتنصل من مسؤولية جماعية في الواقع تجاه ما يجري في المنطقة العربية ضمن تحوّلات العالم المعاصر.

* كشاعر ألم تثرك مشاهد التشرد والشتات واللجوء، وهل أبدعت أشياء في هذا الاتجاه؟

-نعم، أثارني مشهد تحوّل حديقة ماكسمليان في بروكسل إلى مخيم للاجئين، فكتبت نصاً في سبتمبر 2015، حاولت من خلاله مساءلة الاستثمار الإعلامي لما يجري في الساحة. أعتقد أن على الشعر أن يمارس دوره في تقديم شهادة على العصر، وإثارة الأسئلة القلقة للإنسان المعاصر دونما منبرية فجّة ولا عنترية سمجة. كما لا أحبّذ شخصيا الانكفاء على الذات وقضاياها الصغيرة، كما لو أنها هي محور الكون. شخصيا أميل إلى التفاعل الإبداعي الخلاق بين الذاتي والموضوعي، بين الخاص والعام، في اختبار لهشاشة الكائن ضمن لحظته الوجودية الشاملة.

سيناريو مُرْتَجَلٌ لحياةٍ أقلَّ موتاً

(أكشن)

يَخْرج الكومبارس تِبَاعاً

من البحر

يَنْفُضون عن أعمارِهم

بقايا الرّصاص

والدّيناميت

وعن ذاكِرَتهم

أسماءَ القتلى

ويحلمون بحياةٍ

أقلَّ موتاً

بِلا حقائبَ هربوا

من وطنٍ

لم يَعُدْ وطناً

...

(أكشن)

تسأل المذيعة الشقراء

- من أين جئتِ جميلتي؟

ببراءَةِ الأطفالِ ردّتْ

- من حَلَبَ الشهباء

كانت شهباء

قبل أن تشيب

من هَوْلِ ما رأتْ

يُرْدِفُ الكومبارسُ المَنْكوب
.

الأدب العربي خارج اهتمامات الناشر والقارئ الغربي

لفت الروائي طالب الرفاعي إلى أن الحوار يأتي في يوم الشعر العالمي، في إشارة إلى أن الشعر قادر على أن يكون هو الفيصل في حل مشكلات الإنسان. الحروب وآلات الدمار والقتل المجاني والتوحش استطاعت أن تخرب الكثير، وهذا شيء جميل أن يقدم الشعر حلولاً لبعض القضايا، فيكون بذلك له هذه الصفة التي عجز عنها غيره.

وتحدث الرفاعي عن رغبة الكاتب العربي إلى ترجمة أعماله إلى لغات أخرى، مستشهداً بما يقوله بعض الناشرين الأجانب أن لا سوق للإبداع العربي لدى القارئ في أوروبا أو أميركا لأنه منشغل بهمومه، وليس من اهتماماته ما ينتجه المبدع العربي.

وأضاف: "ووفقاً للناشر فاروق مردم بيك فإن أكثر الأدباء الذين انتشروا في فرنسا هما الأديب نجيب محفوظ والشاعر محمود درويش".

واستطرد الرفاعي قائلاً إن عدم اقبال القارئ الغربي على الأدب العربي ربما له أسبابه وفي مقدمتها ما أوصله المستشرقون عن الأدب العربي، إضافة إلى أن بعض وسائل الإعلام ما فتئت تشوّه صورة المبدع العربي، لذلك فمن الطبيعي أن تكون هناك حالة من النفور من الأدب العربي، ولذلك هو خارج اهتمامات الناشر والقارئ.