هيئة الترفيه و«منيو» الحياة!
وأخيراً عُرفت كلمة السر للتغيير، وتم فك شيفرة الخلل وجارٍ تصحيحه، جارٍ تصحيح خطة العلاج، حتى وإن لم يتغيّر التشخيص، فالأخطاء القاتلة ليست بالضرورة نتيجة التشخيص، بل يحدث أن تكون العلّة في الدواء. جاء أخيراً من يولي اهتماماً بفتح جداول الماء لتصل القلوب، وليجني ثمر العقول، ومن يدرك أن العقول المثمرة لا تنبتها قلوب تئن من الظمأ، وألا شيء يبلّ عروق القلوب سوى أن يكون في فنائها الخلفي مساحة كافية للبهجة والسرور، فالقلوب المبتهجة هي المناديل، التي تمسح عرق عقولنا حين تجهدها الحياة أو تمل من الآخرين!
أخيراً أصبح لدينا مرجع نشتكي إليه أو نشكوه إن قصَّر في ترفيهنا، مرجع تهمه صحة أمزجتنا، يحرص على قياس مدى كآبتنا باستمرار، ويطمئن دوماً على درجة حرارة "طفشنا"، لا يفوّت موعداً لجرعة بهجةٍ يُدخلها إلى قلوبنا لتكافح فيها التسوس وتخفف حدّة الوسواس.لدينا الآن من سيعتني بابتساماتنا الرضية، ويضرب على وتر مشاعر قلوبنا، يفتح شبابيك الوطن ليدخل هواء الموسيقى لتبقى لأنفاس مواطنيه رائحة الحدائق، ويزرع الأرض بالشعر لتمطر السماء ضوءاً، ويزين وجه الأسمنت بـ"نوتة" الألوان وإبداع التشكيليين لتبتسم الجدران، ويسمح لستارة المسرح أن تُرفع في الساعة الثامنة، في حين تكون إضاءة صالات السينما خافتة احتفاءً بنور فيلم، لدينا الآن مرجع اسمه الرسمي "هيئة الترفيه"، وهي المعنية بفتح النوافذ، التي تسمح لقلوبنا أن تتنفس نسائم البهجة، وألاّ تُغلق في وجهها باباً، واعية دورها التاريخي في إعادة بناء عقول مجتمع عن طريق قلوب أفراده، وباتجاه أن تتسع قلوبهم فلا تضيق عقولهم. وربما مدركة أن من أراد أن يربح جولة نزاع مع عقلٍ فليحاور قلبه، تلك معركة لا يجيدها العقل، سيخسرها حتماً؛ لأنه ببساطه: لا قلب له! ولعل "هيئة الترفيه" مدركة أيضاً أن قلوبنا لن تُحسن الحوار ما لم يتسع فضاؤها بقدر ما مُنحت من أجنحة، ويبقى لكل قلب جناحه، كذلك فعل الله مع الطيور!لقلوبنا الحق بمساحة كافية من الفن لأجنحتها، حتى نسكب في إنائها ما استطعنا من آيات الرضا وجمال الحياة، فالقلوب التي يشح إناؤها من الجمال تضيق، ولن يكون حاملوها عوناً لبناء حياة؛ بل هم العائق الحقيقي لفعل ذلك، فليس من المنطق أن يبني أحدهم نقيضه. إن أحد أهم روافد الجمال في الحياة... الفن، ومن يشطب الفن من "منيو" الحياة، يقصد عمداً جعل الحياة بلا طعم ، من ينادي بذلك، إنما هو أحد الذين جعلوا قلوبنا فريسة للعفن حتى وصل الداء عقولنا، فأصبحت قلوبنا نخرة وعقولنا نهب الموت، وهو أحد هؤلاء الذين أسدلوا عباءاتهم ستائر داكنة على نوافذ النور في قلوبنا فعميت عقولنا، وضيّقوا السماء لتكون بحجم شباكهم الصغير، واختصروا بهجة الحياة لتكون على مقاس شفاههم، وعلى "هيئة الترفيه"، إن كانت جادة في إدراكها جليل مهمتها في "فلترة" عقولنا من الشوائب، فيجب أن يكون هؤلاء آخر من يحدد حجم الشباك الذي ستطلّ منه قلوبنا إلى السماء، وألاّ تنصت لعويلهم ونواحهم، وأن تقدم لنا "منيو" الحياة كاملاً غير منقوص.