تنهمك الأوساط السياسية الحليفة لرئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، في التعبير عن تفاؤل كبير بالزيارة التي قام بها لواشنطن، حيث اعتبر بين القلة من قادة العالم الذين جرى استقبالهم من إدارة الرئيس الجديد دونالد ترامب المثيرة للجدل، ويبدي حلفاء العبادي اهتماما باللقاء الذي جمع أهم أعضاء فريق ترامب بالوفد العراقي، وتركيز الأميركان على دور القوات العراقية في تطويق خطر «داعش»، وضرورة الاستمرار في دعم بغداد عسكريا واقتصاديا وسياسيا.

لكن الزيارة زخرت برموز سينشغل حلفاء العبادي وخصومه بالنقاش حولها، وربما استغلالها سياسيا، خاصة أن رئيس الحكومة ذهب إلى واشنطن وهو مهدد باستجواب نيابي، ومتصادم مع البرلمان بسبب مناقلات مالية في قانون الموازنة المتقشف ودخول الجميع مرحلة «التسخين الانتخابي».

Ad

وأبرز ما سيجري استغلاله هو ما يقال من إن الإدارة الأميركية طلبت من العبادي البدء في تحجيم نفوذ طهران وأذرعها المسلحة في العراق، حيث يشاع أن ترامب لم يعد يتفهم أن تبقى بغداد تتعاون مع طهران وواشنطن في الوقت نفسه، إذ لابد من «موقف واضح، إما مع طهران أو مع واشنطن»! ورغم أن المقربين إلى العبادي ينفون أن تكون هناك لهجة صارمة كهذه، فإن واشنطن تتحدث عن ضرورة «حماية الانتصارات» في الحرب ضد «داعش»، كما أن الدعم الأميركي الكبير للعراق في هذه الحرب لن يكون بلا ثمن، وهذان العنصران سيتطلبان اتفاقات وإجراءات تثير غضب طهران وحلفائها، من قبيل إمكانية وجود عسكري أميركي يمتد بضعة أعوام تحت عنوان تدريب عشرات الآلاف من الجنود العراقيين حسبما يتردد.

ولن تنظر طهران بارتياح إلى مشروع تصالح مع القادة السنة الذين كانوا يعارضون رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، وهذه مبادرة تتحمس لها واشنطن بقوة، وأشير على لسان ترامب وفريقه إلى أن مرحلة ما بعد «داعش» تحتاج الى توافق جديد مع السّنة لبناء الاستقرار في الموصل وباقي المدن السنية التي دمرتها الحرب أو كادت.

وتحاول طهران منذ سنوات أن تقصي القادة السّنة الذين يمتلكون ما يكفي من النفوذ والمال والعلاقات الإقليمية والدولية، لبناء قطب سني يوازن الأكراد والشيعة، ويؤسس نوعا من الإدارة اللامركزية تحت سقف الدستور، وفي الوقت نفسه يحاول حلفاء طهران أن يقوموا بـ»اختراع» طبقة سياسية سنية جديدة من نواب وشيوخ قبائل مغمورين، يسهل العمل معهم وربما إخضاعهم.

وتتجه واشنطن وأطراف خليجية وتركية إلى تشجيع السّنة على توحيد قواهم في تحالف واسع يمكنه أن يفاوض الحكومة ذات الأغلبية الشيعية، من منطلق القوة ويمارس إرساء الاستقرار في المناطق التي تتحرر من «داعش».

ويميل العبادي «بحذر» إلى وجهة النظر الأميركية كحل معقول للمسألة السنية في العراق، وسيدعمه التقارب الأخير مع الرياض وزيارة وزير الخارجية عادل الجبير لبغداد، لكن رئيس وزراء العراق سيظل بحاجة الى دعم أميركي واضح لمواجهة التصور الإيراني حول مستقبل المنطقة السنية وخصوصا الموصل.

ولن يتوقف التنسيق بين بغداد وواشنطن على المسار الأمني والسياسي، بل هناك مهمة اقتصادية تتعلق بجمع المال لإعادة بناء المدن المدمرة في الحرب، وذكرت المصادر أن الشركات الأميركية المقربة إلى فريق ترامب تطمح الى أخذ حصة الأسد في عقود الإعمار المتوقعة، وربط مساهمة واشنطن في جمع التبرعات بإبرام تفاهمات أولية بهذا الشأن.

وبقدر ما كانت إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قد تحمست للانسحاب من العراق وإهماله، فإن العبادي صرح مرارا بأنه لمس الإصرار على العودة الى العراق في عهد ترامب، وليس في وسع بغداد إلا أن تفتح أبواب الأمن والاستثمارات أمام المصالح الأميركية، رغم كل ما في ذلك من مخاطرة مع سياسات طهران في المنطقة.