مفارقة في غاية الإثارة تلك التي جرت وقائعها في افتتاح الدورة السادسة لـ{مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية». رغم ترهل إيقاع الاحتفال الذي تسبّب به المخرج الإثيوبي هايلي جريما، وتسرب الملل إلى نفوس المشاهدين جراء كلمته الطويلة، وإصراره على تقديم طلبة الورشة التي يُشرف عليها، فإن الكلمة نفسها كانت سبباً في تذكير الجميع بالدور التاريخي الكبير الذي كانت تؤديه مصر في عصر الزعيم جمال عبد الناصر، ورؤية الأخير الثاقبة والناضجة لأهمية العمق الإفريقي لمصر، وهو ما كان سبباً في التفاف الزعماء الأفارقة، كنكروما وسيكوتوري، حوله واعتزازهم وتقديرهم لدور مصر ومكانتها.كما الأفلام المصرية، التي تبدأ سريعة الأحداث، لاهثة الإيقاع، قبل أن تتفكك خطوطها وتتبعثر خيوطها، جاء احتفال الافتتاح الذي أخرجه خالد جلال، ولم يغب الإبهار عن بدايته بسبب الإطلالة الرائعة للمطربة الشابة أميرة رضا، والموهبة التي برهنت عن توافرها بثقافة ملحوظة ولغات امتلكت نواصيها، وجاءت فقرة الفرق التراثية كالمزمار والفنون الشعبية لتستحوذ على إعجاب الضيوف الأفارقة والأجانب، بأكثر مما نالت استحسان المصريين، ممن لم ينظروا إليها بعين الآخر، فيما رأى البعض أنها تليق بمهرجان فنون شعبية بأكثر مما تناسب مهرجاناً سينمائياً. لكنها نالت في النهاية من التصفيق ما يعكس نجاحها في تقديم صورة طيبة لمصر الجنوب، والأقصر خصوصاً. غير أن الأوضاع انقلبت رأساً على عقب مع ظهور المخرج الإثيوبي هايلي جريما، وأعضاء ورشته، على خشبة المسرح المكشوف، الذي أقيم في بهو معبد الكرنك بسحره وجماله، والتوزيع الرائع للإضاءة التي أبرزت مواطن بهائه. فأغلب الظن أن خالد جلال، مخرج الاحتفال لم يتوقع مُطلقاً أن يحتكر جريما الحديث لوقت طويل ويغادر الفن ليدخل في السياسة، ولا يكتفي بهذا، وإنما يترك «الميكروفون» لثلاثة من طلبة ورشة الدورة السادسة ليقدموا أنفسهم، ويتركوا في نفوس الحاضرين شعوراً بالضجر والملل، ويثيروا لدى كثيرين سؤالاً له ما يبرره حول أسباب وجود هذه الفقرة ضمن الافتتاح، بينما كان الأحرى بإدارة المهرجان والمخرج الاحتفاء بالمخرج الإثيوبي الكبير في اليوم المخصص لافتتاح أعمال «الورشة» أو ختامها.
شعور الضجر لم يتسلل إلى الضيوف وحدهم، وإنما امتلك مشاعر محافظ الأقصر محمد بدر، الذي تململ من طول الانتظار على خشبة المسرح، وعلى غير توقع غادر المسرح عائداً إلى مقعده قبل أن يُستدعى مجدداً ليشارك في فقرة المكرمين، التي احتفى فيها المهرجان بكل من المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو والمخرج المصري يسري نصر الله، وهي الفقرة التي أرادها سيد فؤاد فرصة للاحتفاء بالمكرمين، وإلقاء الضوء على النجوم المصريين الذين لبوا دعوة المهرجان، وكانت النتيجة أن تحوّلت اللحظة إلى «فرح بلدي»!في الأحوال كافة، انطلقت الدورة السادسة لمهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، وأحكم المركز الصحافي قبضته على الأمور، عقب تواصله مع الصحافيين والنقاد والإعلاميين منذ اللحظة الأولى، وأمدهم بالمعلومات اللازمة والكافية، وانتظمت العروض في الأماكن التي نجحت إدارة المهرجان في توفيرها، وواجهت خلالها، كالعادة، أزمة عدم وجود صالات عرض تجارية في مدينة الأقصر، ما تسبب في توقف وارتباك بعض العروض الفيلمية في قاعة المؤتمرات، التي استقبلت أفلام المسابقة الطويلة (أبرزها «مولانا» الذي تأجّل عرضه بسبب سوء النسخة) وتعدد الشكاوى من سوء حالة العرض (شاشة وإضاءة وتشغيل)، على عكس الحال في المكتبة التي استضافت أفلام المسابقة القصيرة، وحظيت بإقبال كبير من النقاد والصحافيين وإن بقيت أزمة غياب الجمهور «الأقصري» عن التعاطي مع فعاليات المهرجان بالشكل المنشود، ما يستدعي تنظيم ندوة استثنائية لبحث الأزمة التي تتكرّر في مهرجاناتنا التي تُقام في محافظاتنا من دون أن نجد لها حلاً!تضع مهرجانات السينما العالمية ضيوفها ومتابعيها أمام معضلة تتمثّل في ضرورة المفاضلة بين عرض وآخر يُقام في الوقت نفسه، وتترك للمتابع حرية اختيار الحدث الأجدر بالاهتمام، من بين أفلام المسابقة وتظاهرات التكريم والندوات... إلخ، لكنها تحرص غالباً على ألا تحرمه من متابعة أفلام المسابقة الرسمية، سواء الطويل منها أو القصير. لكن إدارة مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية أوقعت ضيوفها في مأزق كبير، عندما أجبرتهم على المفاضلة بين مشاهدة مسابقة الأفلام الطويلة أو متابعة أفلام مسابقة الأفلام القصيرة، إذ عرضت أفلام المسابقتين في قاعتين مختلفتين، في الوقت نفسه، ولم تستلهم تجربة «مهرجان وهران للفيلم العربي» مثلاً فحرص برنامج العروض على الفصل بين أفلام المسابقتين، وخصص الفترة الصباحية من الساعة الثانية عشرة حتى الثانية ظهراً للفيلم القصير، والفترة المسائية من الساعة الخامسة إلى الثامنة (أو حتى العاشرة) للأفلام الطويلة، ويا ليت إدارة مهرجان الأقصر تقتدي بالتجربة في الدورات المقبلة.
توابل - سيما
«مأزق الأقصر»!
24-03-2017