رفقاً بالعمالة الوافدة... الإنسانية مطلوبة
يدور الحديث عن العمالة الوافدة وأثرها على التركيبة السكانية منذ أن وفدت إلينا منذ نحو سبعين عاما، والحديث لا يزال مستمرا حتى الآن، ولا أعتقد أن يسدل الستار عليه في القريب العاجل، حيث تعودنا بين حين وآخر أن تطالبنا الصحف بمقالات لا يخلو بعضها من قسوة لا مبرر لها. لذلك ونظرا لتعلق الجزء الأساسي لهذا الموضوع بحقوق الإنسان أنصح كل من يحاول أن يدلي بدلوه في هذا الموضوع التحلى بمفاهيم الإنسانية وقيمها النبيلة ومبادئ العدالة والموضوعية في كل ما يقوله، والابتعاد كل البعد عن العاطفة والمشاعر المتشنجة ذات الأبعاد الاستعلائية المتطرفة، والتي ستؤدي مع الأسف الشديد إلى المزيد من الإساءة المتعمدة لسمعة بلادنا، وألا يحذو حذو ذلك النائب في أحد مجالس الأمة السابقة الذي طالب بعقد جلسة استثنائية لمجلس الأمة لمناقشة موضوع قيام خادمة إثيوبية بقتل ابنة العائلة التي تعمل لديها، ومما يؤسف له أنني سمعت أن الدولة قد اتخذت في أعقاب هذه الواقعة المؤلمة قرارا يقضي بمنع أبناء الجنسية الإثيوبية من دخول الكويت. وهنا وفي الوقت الذي أعبر فيه عن تعاطفي التام مع المغدورة وعائلتها الكريمة فإنني كنت آمل أن يتم التعامل مع الموضوع وفقا لحجمه الطبيعي، فالأمر لا يستحق عقد مثل تلك الجلسة ولا اتخاذ القرار المذكور، فالموضوعية والعقلانية مطلوبتان وليس هناك ما يستدعي اتخاذ الردود الانفعالية، فمن المتصور وغير المستغرب أن يقدم بعض أبناء هذه العمالة على ارتكاب تجاوزات من الممكن أن ترتكب من أبناء الوطن، لذلك فالضرورة تقتضي أن نتعامل معها بواقعية وعقلانية لعلنا نكون بذلك قد نجحنا في التعامل مع مثل هذه الأمور وفقا للأسس الحضارية الراقية. والتاريخ يشهد أن العمالة الوافدة قد وفدت إلينا مع أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي، وجاءت إلينا في إطار تنفيذ سياسة الدولة بتحقيق نهضة شاملة في مختلف المجالات بعد الثروة التي منّ الله علينا بها، والتي لم يكن أمامها سبيل سوى الاستعانة بتلك العمالة لمشاركة أبناء الوطن لتحقيق ما نصبو إليه، وقد تكونت هذه العمالة في تلك الفترة من جنسيات محدودة من الهند وباكستان وإيران وبعض الدول العربية مثل فلسطين ومصر وسورية ولبنان والعراق وبعض دول مجلس التعاون كالإمارات وسلطنة عمان.
وقد سجلت البلاد وعلى إثر التوسعات زيادة كبيرة في أعدادها وجنسياتها، وهم يمثلون حاليا نحو 65 إلى 70% من عدد السكان الذين ينتمون إلى أكثر من 130 جنسية، وأعتقد أن هذه النسبة لن تتغير في القريب العاجل على الرغم من الجهود التي تبذلها الدولة لخفضها.وخلافا للانطباع السائد لدى البعض بشأن مفهوم هذه العمالة بأنها تلك التي تقتصر على من يزاولون مهنا هامشية بأجور زهيدة كالعمالة المنزلية وعمال النظافة، ومثل هذا الانطباع غير صحيح ولا يتفق مع الحقيقة والواقع اللذين يقولان غير ذلك، فنطاقها يمتد ليشمل رجال أعمال ومديرين في القطاع الخاص وعاملين في السلك الجامعي والتعليمي وأعضاء الهيئة القضائية والهيئة الطبية والكوادر الهندسية وغيرهم. ولقد شاركتنا هذه العمالة مشكورة في بناء النهضة الكبيرة التي نعيشها حاليا، بحيث لم يبق أي معلم حضاري ماديا كان أم معنويا دون أن تكون لهم يد في وجوده، ومع ذلك نلاحظ وجود من يبالغ في القسوة عليهم والتي قد تكون غير مبررة، ولاحظت أنها تمس أبناء الجالية البنغالية بشكل أكبر، فالبعض منا ينظر لهم نظرة دونية دون مبرر، وأسبابها قد تكون معروفة مثل تدني نوع الأعمال التي يزاولونها كأعمال النظافة، وتواضع الأجور التي يتقاضونها، وغير ذلك من الأسباب التي تدعو البعض إلى اتخاذ هذه النظرة، وهذا يخالف أبسط المبادئ الإنسانية، وينبغي علينا العمل على إزالتها من أذهان الناس وعقولهم؛ مما يتطلب بذل جهود إنسانية صادقة من الجميع وعلى رأسهم خطباء المساجد والهيئات المعنية بحقوق الإنسان. وبحسب تعاملنا ومعرفتنا بهم فمعظمهم أشخاص طيبون بالفطرة وجادون في الأعمال التي يقومون بها، والتي تتم في ظروف بالغة القسوة، كما تعودنا على رؤيتهم يعملون في تنظيف الشوارع وفي محطات البنزين في أيام الصيف الحارقة وأيام الشتاء قارسة البرودة، وفي ظروف أخرى مشابهة، ومع ذلك نراهم يعملون بكل جد وتفان في سبيل إسعادنا وإرضائنا، ولا بد لي من أن أذكر أنهم قدموا لنا تضحيات بأجسادهم لوطننا وأضحوا يستحقون لقب الشهادة، وقد حدث ذلك أثناء تنظيفهم أراضينا من الألغام التي قام العدوان العراقي بزرعها في أراضينا. ومع ذلك نسي الكثيرون منا تلك التضحيات الجسام في حين كان يجب علينا تكريمهم، وإذا كان يحلو للبعض اتهامهم بارتكاب سرقات مثل سرقة أغطية المناهيل، فأين تلك السرقات من الجرائم التي يرتكبها بعضنا، والتي شملت الفساد بكل أنواعه من سرقة المال العام والرشوة والاختلاس والتي تقدر بمئات الملايين من الدنانير أو أكثر، ومع ذلك لا ينصب التركيز عند الحديث عن السرقات إلا على ما يرتكب من أبناء هذه الجالية، ولا حديث عما يرتكب من قبل بني جلدتنا، وفي ذلك ظلم وانعدام تام لكل مبادئ الإنصاف والعدالة والرحمة. وقد ذكر لي أحد مقرري لجان حقوق الإنسان عند لقائه بأحد أبناء الجالية البنغالية في الكويت أن الأخير قد عبر عن شعوره بالألم عند قدومه إلى الكويت، حيث كان يتوقع أن يحظى بالرحمة والعطف من إخوانه المسلمين في الكويت، إلا أن ما لاقاه جاء عكس ما توقعه، وهذه الحالة تدفعني إلى المقارنة بين ما قاله العامل البنغالي وما رواه لي دبلوماسي إيطالي كان يقيم في الكويت بأنهم يعانون في إيطاليا من مشكلة تماثل مشكلة البدون من جراء تدفق الهجرة غير الشرعية عليهم، وأن الحكومة عاجزة عن اتخاذ أي إجراء ضدهم بسبب تدخل الكنيسة التي ترفض ذلك لأسباب إنسانية ودينية. لذلك فإنني عندما أطالب بعدم الإساءة إلى العمالة الوافدة فذلك يأتي أولا، وقبل كل شيء، من باب العدالة والإنصاف واحترام المبادئ الإنسانية التي يفترض أن تكون مستقرة في ضمير مجتمعنا المتحضر، وعلينا أن نتذكر دائما وقوف العالم بأسره معنا ومناصرته لنا في دحر العدوان العراقي وطرده من بلادنا إلى غير رجعة. لذلك نحن مدعوون إلى مضاعفة جهودنا لتحقيق المزيد من الإنصاف لهذه العمالة، وأدعو إلى السماح لهذه الجاليات بإقامة معابد وأماكن لممارسة شعائرهم الدينية بحرية أسوة بما هو معمول به في بعض دول الخليج، وأطالب كذلك السلطات المختصة بتوجيه العاملين في المنافذ الحدودية بحسن التعامل مع تلك الجاليات، وكذلك بوقف اتخاذ الإجراءات العقابية ضد من يرتكب مخالفات مرورية بسيطة بإبعاده عن البلاد، وأطلب من المسؤولين الكف عن تصريحاتهم النارية في هذا الخصوص على العلن، وألا يغيب عن بالهم أنهم محط أنظار وسائل الإعلام العالمية والهيئات الدولية المختصة بحقوق الإنسان، حيث إن الأمر يتعلق بسمعة الكويت التي يجب أن نسعى إلى تعزيزها والدفاع عنها.