كان من المؤمل أن يحدث تغيير شامل في البنية السياسية العراقية عقب سقوط النظام البعثي عام 2003، ولكن يبدو أن التغيير لم يتجاوز بعض الشكليات البسيطة مثل ظهور عدد كبير من الأحزاب السياسية الضعيفة التابعة للأحزاب الكبيرة المتنفذة ونشوء بعض مؤسسات المجتمع المدني غير المستقلة والعاجزة عن فعل شيء على أرض الواقع، وكذلك إفساح المجال لعدد لا يحصى من القنوات الفضائية والمجلات والجرائد "الحزبية" دون أن يكون لها أي تأثير على الحكومة والرأي العام العراقي على حد سواء. وظلت الأوضاع السيئة على حالها، بل اتجهت نحو الأسوأ، فبعد أن كانت مشكلة العراق السياسية تنحصر في الفكر الشوفيني العروبي المدمر، تحولت إلى مشكلة أعمق وأعقد، عندما تبنت الحكومة الشيعية التي يهيمن عليها حزب الدعوة استراتيجية المزج بين الفكرين "الطائفي والعروبي الشوفيني" والدعوة إليهما معا، وهي استراتيجية جديدة مارستها ضد الكرد في نزاعها معهم على المناطق المتنازع عليها عندما ظلت تعزف على أوتار العروبة "الخالدة"، وتمجد بها وتدافع عن حقوق العرب الضائعة في هذه المناطق على يد الأكراد "المحتلين!" في محاولة لجذب عواطف العرب السنّة وكسب ودهم ودعمهم في صراعها المتواصل مع الأكراد، وكذلك بهدف إحداث فتنة عرقية بينهم وبين العرب كما كان في السابق، وهذا أسلوب سياسي خطير يذكرنا دائما بسياسة النظام الدكتاتوري السابق التي كانت تقوم على التهجير والتعريب وبث الكراهية والعداوة بين العرب السنّة على وجه الخصوص والكرد المتجاورين، وتدمير العلاقة بينهما، والذي أدى في النهاية إلى تدمير العراق شعبا ودولة، ووصوله إلى حالة البؤس والتعاسة التي هو عليه الآن. إذاً فما الفرق بين النظامين العراقيين القديم "العروبي" والجديد "الطائفي" من حيث الهدف والنتيجة؟ فإذا كان النظام البعثي البائد سعى إلى تكريس سياسة العروبة في العراق وجعله بلدا عربيا خالصا، فإن النظام الجديد اليوم يحاول جاهدا تحويله إلى بلد طائفي خالص مئة في المئة، وما صراعه المستمر مع السنّة بشكل عام منذ توليه الحكم ونزاعه مع إقليم كردستان وفرض الحصار عليه بهدف تركيعه وإخضاعه لسياساته، وكذلك تشكيله الحشد الشعبي من ميليشيات خارجة عن القانون على أساس طائفي، إلا دلائل على توجهه الطائفي وسعيه إلى تأسيس دولة طائفية.
لا فرق بين النظامين إلا في الشكل والصورة، بل أرى أن النظام القائم على التمدد والتوسع الطائفي أخطر على مستقبل العراق والعراقيين، فما أنجزه النظام البعثي من خراب وشقاء للعراقيين خلال فترة حكمه الذي دام أكثر من 35 عاما، حققه النظام الطائفي القائم خلال اثني عشر عاما من حكمه، وفي ظل سياسته الفاشلة وصل العراق إلى الحضيض، وتحول إلى أسوأ وأفسد وأتعس بلدان العالم بحسب منظمة الشفافية الدولية. ورغم التباهي بالدستور والديمقراطية والبرلمان وسيادة القانون فإن القمع ما زال سائدا، والمفسدون ما زالوا أحرارا طلقاء، وتبوءوا مناصب رفيعة، ولا أحد يستطيع محاسبتهم والتغيير الديمغرافي والتعريب والتشيع مازال جاريا في المناطق السنية والكردية على قدم وساق، وحقوق المكونين اللذين يشكلان نصف المجتمع العراقي مهضومة، وهما مبعدان تماما عن مركز إصدار القرارات السياسية المصيرية، وتحولا إلى مواطنين من الدرجة الثانية، فكل شيء تغير ولكن للأسوأ والأتعس. * كاتب عراقي
مقالات - اضافات
النظامان «العروبي والطائفي» وجهان لعملة واحدة
24-03-2017