هيبة الأفغان
شعبٌ يُحيي أمجاد الأجداد بدون دعاية وإعلان، دفن إمبرطورية بريطانيا قبل روسيا، وأميركا في الطريق، ليس بإرهابه بل بصبره وجلده الذي بسببه ينهار عدوه اقتصاديا وسياسيا، حقاً إنه شعب يستحق شرف أن تكون مُجمل الأحاديث الصحيحة من جَمع عقول أبنائه، صحيح مسلم وبخاري. قلبه جاهز للأزمات، عقله صلب القرار، خُلقه رفيقٌ، فؤاده رحيم، وبهذا تشع هبيته، وتُفرض كلمته، بيد أنه شعب متعدد القبائل، يجيد أربع لغات: البشتو لغته القومية، والفارسية في التعليم، والعربية للدين، والقليل من البلوشية في العامية، علما أنه يوجد الكثير من الأفغان من العرب الأقحاح الذين لا يزوجون إلا جماعتهم أو كما يسمونها (جماعت). ومما يجهله الناس أن مدد معلمي خوارزم لم ينقطع عن شبه الجزيرة العربية، فالعديد من مشاهير الدعاة الخليجيين تتلمذوا على يد الأفغان المعروفين بأنهم صائبو الكلام، رافضو الترف العلمي، مُصرون على نواة العلم لا قشوره، ولا يخوضون في زخرف القول.
دَخلتُ عالم قبيلة الطاهري في الكويت، الأشهر في التجارة بالخليج، من محالّ العسل الفخمة إلى الطب والهندسة، كما أني زاملت ثلاثة منهم أيام كنت أدمج الدراسة بالعمل، ولي زميلان بالجامعة العربية المفتوحة طاهريان يتخصصان في البرمجيات الحاسوبية، وجدتهما أحزم من المراهقين المساوين لهما في العمر وترف الحياة، كما كسروا الصورة النمطية عن تخلف الأفغان الأكاديمي، حينما علمت نفوذهم في التعليم الأميركي بكل التخصصات. دعيت لحفل زفاف أحد أبنائهم في صالة فخمة يستأجرها أعيان العوائل الكويتية، فوجدت التطابق الكامل لعاداتنا فتأكدت من أصل عروبتهم، وكأني في حفل زفاف أحد أقربائي، ولكن بلغات ثلاث أخرى بجوار همسات من العربية، ناهيك عن أن المعرس ارتدى بدل العباءة "البشت" وعمامة ملونة! شعب كادح جريءٌ، يندهش الناس حينما يكتشف أنه أكثر شعب في العالم يعشق الورود والزهر، يرسمها عماله على الشاحنات، يربيها أطباؤه بعياداتهم في زجاجات، مثل الدكتور محمد نقيب الطاهري طبيب العيون في الكويت، أشعارهم تضج بالزهور مثل أبيات (گلستان) الفارسية التي يتغنون بها، يسمون رجالهم ونساءهم بأنواع الورد والزهر، فتجد مشاهير محاربيهم التاريخيين ضد البريطانيين يسمون "غمچه" بمعنى (قبضة الورود والأزهار)! صمودهم كالجبال، روحهم بصفاء أنهارهم، يحبون الصدق والصادقين، يقاتلون الكذب والكذابين، عفتهمِ وغيرتهمِ تشابه العرب بالحِدةِ والجِدية، فالأفغاني طاهر اللسان، رافض النفاق، راسب في الخباثة السياسية، تصادمي وشجاع، ولكنه كشعب، يعاني التخلف العلمي، والتراجع الوطني، والعنف القبلي، والتناحر الطائفي، فهل الأفغانيون مستعدون للمستقبل؟