غني عن البيان تلكم التحديات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للعمالة الوافدة بحجمها الكبير في دولة الكويت، وحضورها الضاغط في مختلف الميادين؛ حيث تُولِّد وتعيد إنتاج نسق كبير من المخاطر الوجودية، والتي تظهر جلياً في إشكالية الهوية الثقافية والتركيبة السكانية ومسألة البطالة والأمن الاجتماعي، وهذا ما قصده بالفعل أستاذ أصول التربية بجامعة الكويت د. علي أسعد وطفة.إلا أن ما يثير العجب تلك الحملة من بعض نواب الأمة التي هدفها المتاجرة سياسياً بقضية الوافدين، الذين قدِموا من أقاصي الدنيا ليشاركوا في نهضة الكويت الحديثة، ولاسيما إخواننا العرب؛ لذلك نقول إن في القضية جانباً أخلاقياً، والضرورة تقتضي التفريق بين العمالة الهامشية، وهؤلاء الذين قدموا تلك الإسهامات العظيمة، ومن باب الإنصاف والحق الأخلاقي علينا لهم؛ أن نذكر بعض الأسماء اللامعة في أكثر من مجال وذلك علي النحو التالي:
في مجال التربية يأتي علي رأس القائمة، رائد العقلانية والتنوير العالم الجليل د. زكي نجيب محمود، مجدد الفكر التربوي الحديث، وعالم عصره في مجال فلسفة التربية، الذي قدم إلى جامعة الكويت عام 1965، وقدم إسهامات علمية مميزة.ومن ثم قدم شيخ التربويين د. حامد عمار، صاحب الإنجاز العلمي الوفير في الوطن العربي، مؤلف "التنمية البشرية في الوطن العربي"، الذي نال عنه جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي في عام 1994.وفي هذا المقام يفرض نفسه وبقوة عالم المستقبليات في الوطن العربي ضياء الدين زاهر، أحد أهم وأبرز المجددين في علم التخطيط الاستراتيجي وعلم الاستشراف، وأحد أهم أعضاء الفريق البحثي للعمل العلمي الضخم "البناء القيمي في المجتمع الكويتي" الذي تم طبعه تحت رعاية الديوان الأميري، وكان في إحدى فترات وجوده في الكويت مسشاراً لوزير التربية السباق د. حسن الإبراهيم.ولا ننسى أحمد زكي أول رئيس تحرير لمجلة العربي عام 1958.وفي نفس السياق نذكر بكل اعتزاز، مساهمة الشهيد البطل ناجي العلي، رسام الكاريكاتير الفلسطيني، صاحب شخصية "حنظلة" التي ابتدعها؛ وتمثل صبياً في العاشرة من عمره، وظهرت رسومات "حنظلة" عام 1969 في جريدة السياسة؛ وبعدها جريدة القبس، واغتيل في لندن عام 1987 لقوة تأثير رسوماته الساخرة.أما في مجال المسرح الكويتي فنذكر مؤسس المسرح الكويتي زكي طليمات، ومن بعده سعد أردش وجلال الشرقاوي، وغيرهم ممن أسهموا في رسم البسمة علي شفاه الشعب الكويتي... وغيرهم كثيرون في شتي الميادين، ممن لا يتسع المقال لذكرهم. لذلك نهيب بنواب الأمة، بدلاً من التصريحات المستهلكة بهدف إثبات البطولة الشعبية الزائفة، أن يبحثوا عن أصل المشكلة والمتسبب فيها، ليكتشفوا أن وراءها قططاً سماناً استباحت المال العام، حتى وصل بها الحال من الدناءة والخسة إلى المتاجرة بالبشر، هؤلاء هم عقدة المنشار، ولكن بدلاً من محاسبتهم تتجه الأنظار إلى الحلقة الأضعف، بتصريحات غير أخلاقية ومنافية لصحيح الدين والأعراف والدستور التي أقرت حقوق الإنسان، فصيحة "اطردوا الوافدين" ذات النفَس العنصري لا تتماشي والمواثيق الدولية التي وقعتها الكويت.والحل في نظري يكمن في الآتي:أولاً التراجع نهائياً عن هذه التصريحات غير الأخلاقية التي تضر بسمعة الكويت، وكبيرها وبابها العالي صاحب السمو أمير البلاد قائد الإنسانية.ثانياً: العمل بكل جدية ومهنية من قبل نواب الأمة لتشريع قوانين عادلة تنظم العمل وتراعي مصلحة الكويت والوافدين في ذات الوقت، على أن يكون المعيار فيها احتياجات سوق العمل والكفاءة والمهارة؛ وشرط الضرورة لهذه القوانين، لكي تكون فاعلة، معرفة المتسبب في قضية تضخم أعداد الوافدين وبالتالي إمكانية محاسبته. ختاماً: لا أحد يستطيع أن يمحو كلمات عطرة زاهرة، كتبت بمداد من نور على صفحات تاريخ الكويت لإسهامات المبدعين العرب في كل المجالات العلمية والثقافية والفكرية والتربوية... إلى غير ذلك من مجالات؛ وأن المزايدات السياسية للتكسب من قضية الوافدين، مجرد عمل سياسي رخيص.ومن المعيب أن تجرح مشاعر الصحافي والمعلم والطبيب والقاضي... إلى غير ذلك من وظائف، من خلال تصريحات غير مسؤولة من بعض نواب الطفولة السياسية، حتى العمالة الهامشية من وجهة نظري فئة مغلوبة على أمرها، ظُلِمت بفضل جهاز إداري فاسد وراءه متنفذ فاسد.لذلك نطلب من حكومتنا الرشيدة ومجلس الأمة الموقر حل قضية الوافدين بهدوء ودون تجريح ومنّة على أحد، وعلى مراحل، وبطريقة أخلاقية تعبر عن عادات وتقاليد الشعب الكويتي، وإلا فإن "ليزر" منظمات حقوق الإنسان سيسلط عليكم، وكفى عبثاً... ودمتم بخير.
مقالات - اضافات
«High Light»: ليزر أخلاقي
25-03-2017